سلسلة مبادئ الفلسفة البوذيّة، ببساطة!

الجزء الأول – النظرة  الأساسية  التي تقوم عليها البوذية (حسب الطرق أو المراحل الثلاثة في حمل التعاليم البوذية)

Written by Dharmabustan

النظرة  الأساسية  التي تقوم عليها البوذية

(حسب الطرق أو المراحل الثلاثة في حمل التعاليم البوذية)

ترجمة وإعداد خلود بركات

المصدر

من التعاليم التي أتلقاها من معلمي تيم أولمستيد وبرامج مجموعة تيرغار Tergar التي يديرها المعلم منغيور رنبوتشي. وقد حصلت على إذن تلخيص البعض من هذه التعاليم وترجمته.

الجزء الأول

مقدمة 

” بغض النظر مهما جلسنا للتأمل، ومهما كان صفاؤنا الذهني، فإنه لا نفع من ذلك بدون فهم النظرة الأساسية التي تنطلق منا البوذية. بدون ذلك الفهم سنبقى في فخ المعاناة.”     – المعلم دزونغسار كينتسي رينبوتشي Dzongsar Khyentse Rinpoche

يؤكد المعلم تسوكني رنبوشي Tsoknyi Rinpoche وهو شقيق المعلم منغيور رنبوتشي أننا نظن بأننا نفهم هذه النظرة الأساسية التي تقوم عليها البوذية، لكن الأمر ليس كذلك فمن الضروري الاستماع لهذه التعاليم الأساسية والتأمل فيها مئات المرات بل آلاف المرات بل عشرات آلاف المرات، فالفهم لا يقتصر على الناحية الفكرية والفهم العقلي لها بل من الضروري أن يستوعبها الذهن والقلب وأن تستقر المعرفة وتسكن فيهما وهذا يتطلب سنوات من الدراسة لهذا المبدأ الأساسي، فالموضوع ليس مجرد معلومات نملأ بها زوايا من أذهاننا أو نروي بها عطشا فكريا وحسب، بل الأصل أن يصبح هذا الفهم جزءا منا.

ما هي إذن هذه النظرة الأساسية أو المبدأ الأساسي الذي تنطلق منها البوذية: وكما يذكر المترجم المعروف للنصوص البوذية كورتلاند دال Cortland Dal أن المقصود بالنظرة هنا ليس الاعتقاد أو عدمه لكن هو البدء بالنظر في داخلنا بتوظيف المبادئ التي تمنحها لنا الفلسفة البوذية كنافذة على أنفسنا والآخرين والعالم بأسره والنظر إليها بشكل لم نقم به من قبل. وهذا لا علاقة له بقبول أو رفض معتقدات معينة. ويساعدنا التأمل في أن نجعل هذه النظرة جزءا من حياتنا وتجاربنا، أي أن التأمل يخلق هذا الشكل من التكامل. واللغة التبتية توضح مفهوم التأمل أكثر من الانجليزية، والكلمة التبتية للتأمل هي སྒོམ ( تلفظ: غُم   gom ) وهي تعني أن نصبح على ألفة مع الشيء أو معرفته. فنتعرف أكثر على أنفسنا وأنماط تفكيرنا والتغيير الدائب فيما يتدفق فينا من العواطف والانفعالات وعلاقاتنا مع الآخرين بشكل من الألفة والحميمية. فنقوم المرة تلو الأخرى بالوعي بكل ما يجري داخلنا وحولنا ونشهد مسرح التغيير اللحظة تلو الأخرى. فيصبح أمرا طبيعيا فينا، هذه الألفة وهذا الادراك، ثم ينعكس هذا على تجاربنا وسلوكنا مع أنفسنا والآخرين.

ماذا علم بوذا وما هي النظرة الأساسية التي تنطلق منها البوذية؟

ببساطة علّم المعلم المستنير بوذا شكياموني بكل رأفة ومهارة المسار الذي يقودنا للتحرّر وعلّم المسار الذي يقودنا للاستنارة أو ما يطلق عليه أيضا الوصول لحالة بوذا وهي باللغة التبتية བྱང་ཆུབ  (سَنغيي sangye)  أي النقاء الكامل أو الشاسع، وبالانجليزية Buddhahood. فعندما حقق بوذا شكياموني الاستنارة رأى أن جميع الكائنات دون استثناء في داخلها البذرة النقية أو الطبيعة أو الإمكانية للوصول للاستنارة وهي ما يطلق عليها أيضا طبيعة بوذا أو باللغة التبتية བདེ་གཤེགས་སྙིང་པོ (تلفظ: دِشِك نيِنغبو أي جوهر النقاء).وكما يذكر المعلم دزغتشن بُنلوب Dzogchen Ponlop Rinpoche أن بوذا علم الواقع النسبي والواقع المطلق حسب مستوى التلامذة والمتلقين، فتارة علم بشكل مباشر وتارة بشكل غير مباشر. لكنه المعلم المستنير والماهر فيعلم ماذا يعلم وكيف ولمن. وأول ما علم في متنزه الغزلان في مدينة سرناث في الهند: الحقائق النبيلة الأربعة والكارما وخلو الشخص من نفس ثابتة وجوهرية لا تتغير. 

ما هي النظرة الأساسية؟

   ويطلق عليها أيضا الحقائق النبيلة الأربعة (أو الأختام الأربعة ) التي تميز الوجود، وهي تسمى نبيلة لأننا حين نفهما وندركها ونطبق التدريبات المتعلقة بها فإنها تغيّر من حياتنا، لأن فهمنا لها يجعلنا نشعر بأوهام وآلام دائرة الوجود (السمسارا) وهذا يدفعنا للارتباط أكثر مع أنفسنا والآخرين، وهذه الحقائق هي: 

     1.التغيير: كل شيء في تغيير دائم حتى نحن أنفسنا في تغيير دائم، فلسنا نحن قبل سنوات أو أيام أو ساعات.

  1. المعاناة بمعنى عدم الرضى وليس الألم بالضرورة
  2. الوجود الواهم للنفس أو اللاذات ، أي أن النفس ليست ثابتة في وجودها فهي مثل كل شيء يعتريها التغيير، لكنها تتوهم أنها ثابتة بسبب أنها تظن أنها منفصلة ومستقلة وثابتة وهذه الأوهام تجعل النفس تتوهم بأنها ثابتة فتتشبث بنفسها وتتعلق بها كل تعلق، وهذا السبب وراء كل المشاكل والمعاناة، وكما يوضح المعلم منغيور أن هذا المفهوم ينتابه الكثير من التشويش وعدم الوضوح فهو لا يعني أننا لا نعد نثق بأنفسنا أو نفقد العزيمة على القيام بالأشياء، بل على العكس فيؤكد هذا المعلم أن إحساسانا بانعدام وجود نفس ثابتة، يفتح المجال أما أشكال أخرى صحية في أنفسنا لتتجلى وتشرق فينا.  
  3. النيرفانا والتي تتحقق بعد إدراك تلك الحقائق  الثلاث السابقة تماما والتصرف بناء عليها خطوة خطوة، فنصل لحالة من السلام ونحرر أنفسنا ونصل إلى السعادة الدائمة وغير المشروطة مثلا بتناول الطعام اللذيذ أو المتع بشتى أشكالها من مسكن وسفر وجنس … إلخ. ومن الصعب وصف هذه الحالة لأنها خارج المفاهيم التي تميز عالمنا وهو عالم الثنائية. 

في البوذية ثلاث طرق في حمل التعاليم وهي لا تنفصل عن بعضها البعض وكل منها ضروري حتى نصل للإدراك السليم والفهم الخالي من التشويش والخلط؛ وهي:

  1. المرحلة الأساسية في حمل التعاليم أو المَرْكبة الأساسية  ( (وهي تضم تقاليد الثيؤافادا وما يُطلق عليه الهنيانا) وهس تُمثل اللبنة الأساسية والتي لا يمكن بدونها التقدم في المسار الروحاني نحو الطرق الأخرى فهي تقدم الأدوات التي تنمي وترفع الوعي من خلال أساليب التأمل المختلفة وغيرها).
  2. والماهايانا Mahayana
  3. والفاجرايانا Vajrayana

المرحلة الأولى والقاعدة الأساسية

وفيما يلي توضيح لارتباط هذه النظرة السليمة بالطرق البوذية الثلاث (حسب البوذية التبتية) التي تحمل التعاليم وهي المرحلة الأساسية والماهايانا والفاجرايانا (البعض يترجمها المركبات أو الناقلات الثلاث، لكن أفضل استخدام كلمة طرق لأنها تفي بالغرض هنا، لكن كلمة ناقلة تفيد ما تقوم به هذه الطرق من نقل الذهن من حالة لأخرى). سيتم توضيح ذلك من خلال توضيح النظرة كيف تتجلى في كل طريقة والتدريبات والسلوك المرافق لها.

المرحلة الأساسية  وهي تحمل هذه النظرة الأساسية والتي تضم الصفات الأساسية التي تميز الوجود والتي يُطلق عليها أيضا الحقائق النبيلة الأربعة، وهي:

      1.التغيير

  1. المعاناة بمعنى عدم الرضى وليس الألم بالضرورة
  2. الوجود الواهم للنفس أو اللاذات ، أي أن النفس ليست ثابتة في وجودها فهي مثل كل شيء يعتريها التغيير، لكنها تتوهم أنها ثابتة بسبب أنها تظن أنها منفصلة ومستقلة وثابتة وهذه الأوهام تجعل النفس تتوهم بأنها ثابتة وهذا السبب وراء كل المشاكل والمعاناة، وكما يوضح المعلم منغيور أن هذا المفهوم ينتابه الكثير من التشويش وعدم الوضوح فهو لا يعني أننا نعد نثق بأنفسنا أو نفقد العزيمة على القيام بالأشياء، بل على العكس فيؤكد هذا المعلم أن إحساسانا بانعدام وجود نفس ثابتة، يفتح المجال أما أشكال أخرى صحية في أنفسنا لتتجلى وتشرق فينا.  
  3. النيرفانا والتي تتحقق بعد إدراك تلك الحقائق  الثلاث السابقة تماما والتصرف بناء عليها خطوة خطوة، فنصل لحالة من السلام ونحرر أنفسنا ونصل إلى السعادة الدائمة وغير المشروطة مثلا بتناول الطعام اللذيذ أو المتع بشتى أشكالها من مسكن وسفر وجنس … إلخ.  

تدريبات التأمل المتعلقة بها:

الأشكال الأربعة أو المبادئ الأربعة من الحضور الذهني وهي أن نكون حاضرين فيما نشعر به من أحاسيس في الجسد والحضور في ما نشعر به من من أحاسيس وأن نكون حاضرين في أذهاننا وما تعي به ورابعا أن نكون حاضرين في وعينا بالظواهر التي تحيط بنا.

السلوك المرافق لها:

الامتناع عن الأذى وعدم القتل والسرقة وإساءة السلوك الجنسي والكذب. 

تدريب:

يقترح المعلم تسوكني هذا التدريب: عندما نستيقظ في الصباح يا ترى هل نستشعر عظمة هذا الوجود البشري، أننا ولدنا بشرا؟ لكننا في أغلب الأحيان نغرق في أوهام الأنا “الإيغو” وآلامه وجروحه المُتوَهَّمة، فندخل في دواماته وزواياه المظلمة فلا نسشعر سوى الحسرة: “لو عندي هاد؟ ليش الناس ما بتحبني؟ أنا أصلا ما إلي قيمة؟ ما حدا بحبني! بدي أشياء أحسن ..بدي أكتر وأكتر!” وهكذا نعلق في دوامة من الجوع والعطش.

 

About the author

Dharmabustan

إ

Leave a Comment