المقالات المُترجمة

مأساة بورما بِقلَم الناشط الكَندي البوذي في حقوق الإنسان ريتشارد ريوك والرئيس السَّابِق لمؤسّسة شمبالا في أمريكا الشماليَّة)

Written by Dharmabustan

المَصدر: http://richardreoch.info

يبدأ السّيّد ريتشارد مقالته وتجربته برسالة من تلميذ في بورما هذه الرسالة المكتوبة بخط اليد إلى الأطفال في مخيمات اللاجئين الروهينجيا على الحدود بين ميانمار وبنغلاديش حيث تعمل المفوضية السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بجِد لبناء مدارس مؤقتة من الخيزران المحلِّي. أكثر من نصف عدد الأشخاص الذين هرَيوا والبالغ  742،000  شخصا هربوا  إلى هناك لإنقاذ حياتهم مما يسمُّونه “الإرهاب البوذي” وهم في سنّ المدرسة وفي حاجة ماسة إلى التعليم والدعم.

رسالة التلميذ :”من المفارقات المؤلمة  أنّني واجهت السّخرية والمضايقات في المدرسة الابتدائية التي التحقت بها بسبب كوني تلميذًبوذيًا صغيرًا. عندما ذهبتُ الى المدرسة، كنتُ مختلفاً تماما من الآخرين.

كانت عائلتي من ديانة مختلفة. الأطفالُ الاخرين يهاجمونني بسبب اختلافي عنهم.

لقد كنت حزينًا كثيرًا، لكن  تعلّمت درسًا مهمًا.

هاجمني أولئك الأطفال هاجموني لسبب واحد فقط، ديانتي .  لم يعتبروني كإنسان مثلهم. 

“قُلت لنفسي: “لن ارتكب نفس الخطأ

تعلّّمت أنّه من المهم احترام وحماية كل الأشخاص الآخرين.

قد يبدون مثلنا أو مختلفين.

لربما لا نُعجبهم أو نتفق معهم. لكن كلنا ننتمي الى نفس العائلة: عائلة بَني الأنسان.”

نهاية رسالة التلميذ

يخشى الكثير من أن هذه الأزمة التي لم تُحلّ، ستكون بمثابة “قنبلة موقوتة” قد تؤدي إلى صراع مدمّر في المستقبل. وشهد الشباب في المخيمات، الذين أصيب الكثير منهم بصدمات شديدة، أهوالا لا توصف. كان الخوف من إمكانية الانتقام في المستقبل حاضرًا بقوة في ذهني عندما كتبت إليهم عن الحاجة إلى احترام وحماية عائلتنا البشرية.

هناك أصوات شجاعة تتحدث علانية ضد القمع الوحشي تجاه شعب الروهينجيا في ميانمار – وتطلب منا مساعدة مئات الآلاف من ضحايا هذه الكارثة الإنسانية ، الذين يخضعون الآن إلى تحقيق دولي بشأن الإبادة الجماعية.

عندما كنت في المعسكرات الحدوديّة مع النّاجين من -“حقول القتل” – أطلق الأشخاص اليائسون الذين قابلتهم هناك على هذا الكابوس “الإرهاب البوذي”.

حاولت أن أصف ما شاهدته في كلمات في مقالة: التأمل في بوذا في خضم الإرهاب البوذي. تم نشرها منذ ذلك الحين في مجلة   ( وهي إحدى المجلات الإلكترونية الأكثر قراءة على مستوى العالم البوذي ) Lion’s Roar

أُضرمت النيران في قرى هؤلاء الناس. تم إطلاق النار عليهم أثناء فرارهم. ألقى الجنود أطفالهم في النيران. يعالج العاملون الطبيون في مخيمات اللاجئين مئات النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب وندوب مروعة بسبب القسوة الجنسية.

سماع شهادتهم كان لا يطاق بالنسبة لي كبوذي ، كانت يدي ترتجف وأنا أحاول حمل الكاميرا ,هؤلاء الناس يريدون أن يسمع العالم قصتهم.

هذه المرة هناك شيء يمكننا القيام به

 نحن البوذيون  لدينا مسؤولية خاصة. نحن بحاجة إلى رفع أصواتنا ضد هذه الفظائع ، ونوضح أن هذا العنف لا يُرتكب باسمنا. نحن بحاجة إلى القيام بكل ما في وسعنا لمساعدة الضحايا. لذلك في كثير من الأحيان عندما نرى تقارير إخبارية مؤلمة، لا يكون  لدينا أي فكرة عن كيفية المساعدة. إنّ إحساسنا بالعجز يجعل الألم الرؤوف  الذي نشعر به أكثر حدّة. لكن هذه المرّة، هناك شيء يمكننا القيام به.

لقد أُطلق نداء بوذي عالمي. ويُمكنك بإضافة اسمك لكي تنضم إلى مئات القادة والمعلّمين البوذيين من 15 دولة يطلبون من القيادة الرهبانية في ميانمار الدفاع عن القيم البوذية والعودة عن فيضان الكراهية والعنف.

وجاء في النداء “في الدارما لا يوجد أي   مُبرّر للكراهية والعنف”. “إنّ الكلمات اللئيمة والاستفزاز المباشر تتناقض تناقضا صارخا مع المبادئ الرهبانيّة وتعاليم بوذا بشأن الأخلاق والسلام والتسامح العالميين.”

إذا كان هناك وقت للوقوف في وجه ما يحدث وقَوْل  هذا، فهو الآن.

زيارة شاهد عيان

لقد زرتُ المخيم مع وفد شاهد عيان نظّمته هيئة السّلام الدولية المشتركة بين الأديان. وقبل ستّة أشهر أجريت مُقابلة مع طبيب  كان من أوائل المستجيبين عندما بدأ الروهينجيا  يشقّون طريقهم  عبر الوحل من ميانمار إلى بنغلاديش.

قال: “كانت هناك جروح بالرّصاص وشظايا وإصابات مِن  الألغام الأرضية، وأطراف مقطوعة بالسّواطير.” “كان هناك أناس ينزفون حتى الموت وهم يسيرون، والبعض لم يُبقهم على قيد الحياة سوى إرادتهم في العيش. وكان هناك أطفال قُتلت أسرهم بأكملها. كانوا ببساطة مذعورين وفرّوا مع كل من كان يهرب. كان هناك مئات ومئات النّساء، مصابات ومصدومات جراء الاعتداء الجنسي.”

مساعدة الضحايا

أطلَق هذا  المشروع الإنساني البوذي نفس النداء الذي تمَّ إنشاؤه حديثا، وهو يمنحك فرصة لتقديم هدية سخية من الإمدادات الأساسيّة لهؤلاء الضحايا. وآخر تقييم هو أنه يتعين جمع مليار دولار من الآن وحتى حزيران  لدعم الجهود الإنسانية الضخمة الجارية الآن. وستتعهد الحكومات بالكثير، ولكن هناك حاجة أيضا إلى تبرعات عامة.

وقال طبيب آخر يعالج الضّحايا: “لقد عملت في مناطق الحرب ومخيمات اللاجئين في جميع أنحاء العالم. من خلال كل خبرتي، لكنني لم أر شيئا كهذا من قبل.”

فرَّ اللاجئون الروهينغيا من قراهم المحترقة والمجازر دون أي شيء تقريبا. كل  ما كان يحملونه لم يكن سوى  أطفالهم وكبار السن والجَرحى.

في المخيم، هناك الآلاف من الأيتام. معظم الذين رأيتهم هائمون عُراة فهم و الجميع كانوا يحتاجون – إلى الغذاء والمياه النظيفة والملابس والرعاية الطبيّة العاجلة والملاجئ الدائمة.

(هذا النّداء الدولي كان مُلهَما من من كاهن الزن البوذي  النَّاشط  اجتماعيا (هوزان آلان سيناوكيHozan Alan Senauke، نائب رئيس دير مركز زن بيركلي. لقد عرفته منذ سنوات عديدة وكان شرفا لي أن أكون معه في الوفد إلى المخيمات. وهو مؤسّس مشروع الرؤية الواضحة الذي يوفر الموارد والأدوات التي توفِّّرها البوذية من أجل الإغاثة والتغيير الاجتماعي في آسيا والغرب.

الوقوف في وجه الكراهية والعنف

وهذه الأزمة لم   تنته بعد حيث  يواجه الصَّحَفِيُّون  داخل ميانمار مُضايقات، بل وتهديدات بالقتل، بسبب تقارير مستقلة. فقد تمّ القبض على اثنين من مُراسلي وكالة رويترز للأنباء لانتهاكهما قانون الأسرار الرسميّة في البلاد بعد التحقيق في أدلّة على وجود مقبرة جماعية. ويجري الكشف عن المزيد من مواقع القتل الجماعي.

ومن السّمات المُروِّعة لهذه المأساة الخطب التحريضيَّة التي ألقاها الرهبان البوذيّون في البلد. وكما هو الحال في العديد من الصراعات الأخرى، فإن المحرّضين على العنف هم أقلية صغيرة – ولكنّها أقلّية صاخبة، ذات تأثير واسع النّطاق.

(كان أبرزهم، الراهب (آشين ويراثو Ashin Wirathu، قد سجن بتهمة التحريض على الكراهية العنصريّة في عام 2003، ثم أطلق سراحه بموجب عفو عام في عام 2012. وفي العام نفسه، اندلعت أعمال شغب طائفيّة بين البوذيين والمسلمين في ولاية راخين، حيث تتكشف الأزمة الحالية.

وكان المجلس الرهباني الأعلى  في البلاد الذي يوجّه نداء انسانيّا بوذيا، قد مَنَع العام الماضي الراهب وِراثو من القيام  بالوعظ  مدة عام مؤكدا أنه سيواجه “إجراءات  في ظل سيادة القانون” لاّي خرق للنظام. كما أُصدِرت أوامر  بِحَق  منظّمته القوميّة (ما بوقف أنشطتها. ومع ذلك، أعاد أتباعه ببساطة الترويج  لأنفسهم ويواصلون استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لنشر رسالتهم القوميّة المتطرّفة.

لكنَّ الرهبان الشّجعان داخل البلاد يعملون على كبح جماح موجة الكراهية. وهم يتعاونون مع زعماء دينيين آخرين، ويتدخلون لوقف اندلاع المزيد من العنف، ويفتحون معابدهم أمام الناس من جميع المجتمعات المحلية الفارين من الهجمات، ويديرون برامج تعليمية عن التسامح واللاعنف.

بعضهم يتحدث بصراحة. فقد قال  آشين إيساريا وهو راهب يحظى باحترام واسع، وحاول مؤخرا عقد مؤتمر صحفي ينتقد فيه أولئك الذين يؤججون نيران الكراهية: “إذا كنت تريد حماية البوذية، يجب أن تلتزم بقواعد السلوك التي وضعها  المُعلِّم النبيل بوذا”. وقد عرقَلَ  هذا الحدث  العشرات من الرهبان “الوطنيين ّ”. وتلقى تهديدات بالقتل وبتدمير ديره إن هو فعل ذلك . 

آشين إيساريا هو  واحد من الأصوات الشجاعة.

ملامح  للإبادة الجماعية

هذه الكارثة لم تأت من العدم.  الروهينغيا  ليسوا فقط من المسلمين فحسب، بل من الهندوس والمسيحيين أيضا، في ميانمار منذ أجيال. وقد جرّدتهم الحكومة العسكرية الشرسة فى البلاد من جنسيتهم في عام 1982 . وقد واجهوا القمع على غرار نظام الفصل العنصري، وحرموا من المساواة في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم واُلعمالة والحريّة الدينية والسّفر وحقوق الأسرة.

وقد حدث ما توقعه الكثيرون. فقد ظهرت جماعة مقاومة تطلق على نفسها اسم جيش إنقاذ روهينغيا. وفي آب الماضي، هاجموا 30 موقعا حكوميا للأمن والجيش. وردا على ذلك قالت الحكومة انها بحاجة الى ” القضاء على تهديد الإرهاب ” . أعلنت قوات الأمن الحكومية عن “عمليات تطهير”. ومع ذلك، علمتُ في هذه الرحلة من مصدر موثوق به أن ميانمار كانت بالفعل قد حشدت قواتها الهجومية العسكرية قبل ثلاثة أسابيع إما من هجمات حرب العصابات أو إعلان الحكومة عن الإرهاب.

وفي غضون أسبوعين، قالت الحكومة إن الجيش استهدف ما يقرب من 40 في المائة من قرى الروهينغا. وتُظهر صور الأقمار الصناعية الآن المدى الكامل للدمار.  وقد احترق عدد كبير من قرى الروهينغا بالكامل وجرفت بالجرافات. ويجري طمس وجودهم.

وقالت مقررة الأمم المتحدة المعنية بميانمار، يانغي لي، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة هذا الشهر: “أصبحت أكثر اقتناعا بأن الجرائم المرتكبة تحمل طابع  الإبادة الجماعية.

وقد منعت حكومة ميانمار السيدة لي من العودة إلى البلد. وقد وصفها الراهب المتطرف ويراثو، الذي يقول إنه يدافع عن عرقه ودينه، بأنها “عاهرة”.

تعزيز الدعم بين العائلة البوذية في جميع أنحاء العالم

و كشاهد عيان على ما حدث، أطلب منكم قراءة النداء الإنساني البوذي، والتوقيع عليه، وتقديم ما في وسعكم للجهد الإنساني. إذا كنتم ترغبون في ذلك، يرجى مشاركتها مع أي أصدقاء بوذيين أو مجتمعات بوذية

وإذا استطعنا تحويل هذا الإلهام إلى دعم قوي وعميق  بين الأسرة البوذية في جميع أنحاء العالم، فإنّ هذا سيوفر دعما قويا لأولئك الذين يعملون من أجل السلام داخل ميانمار. وعرضنا للمساعدة السخية للضحايا سيضع نذورنا وتعاطفنا ورؤيتنا في الممارسة المعيشية.

About the author

Dharmabustan

إ

Leave a Comment