المقالات المُترجمة

مُقتطف قصير من كتاب قيد الترجمة للمعلم البوذي المُلهِم تشُغيام ترُنغبا حول التعامل مع الخوف

Written by Dharmabustan

مُقتطف قصير من كتاب قيد الترجمة للمعلم البوذي المُلهِم تشُغيام ترُنغبا حول التعامل مع الخوف (لمعلومات حول الُمعلّم، انظر الروابط في نهاية المقالة)

“والخطوة الثانية هي  قبول السِّحر.  ونحن هنا لا نتحدث عن تحويل الماء إلى نار أو المشي على السَّقف.  في الإشارة الى السِّحر هنا، نحن نتحدث عن تحويل تجاربنا في هذا العالم.  أي أنَّه يُمكن لتجاربنا العادية، مِن انفعال وشَّغَف وعدوانيّة وجهل يمكن إلى حالة وجود طبيعية،  خالية من الانفعال وخالية من العدائية وخالية من الجهل.  وتأتي تجربة السِّحر الطبيعي هذه مِن زرع الشمس في داخلنا. ”

“يَأتي شُعور النّاس بالإحراج مِن أَنفسهم بسبَب غِياب الشَّجاعة، وبسبَب ما في داخلِهم مِن خَوف. ولكنْ إذا عَزموا على رُؤية أَنفسهم واستِكشافها، ومُمارسة اليَقَظة والحُضور في كلّ لَحظة، يَصيرون حينَها مُحارِبين. وكلِمة مُحارِب هنا تَرجمةٌ لِلكلمة التِّبِتيّة (باوُ དཔའ་བོ། ) حيثُ (با) تَعني الشُّجاع و(وُ) دَلالة الفاعل.
إرث المُحارب الّذي نحن بِصَدده الآنَ لَيس المُحارِب الذي يَخوض المَعاركَ. مَفهوم المُحارِب هُنا هو مَفهوم الشَّجاعة الأَساسيّ وعَدَم الخَوف، ويُشير إلى التَّغلُّب على الجُبن ومَشاعر الأَلم والجُرح فِينا. فإذا كنّا نَشعر بأَنّنا في جَوهرنا مَجروحون، نَخشى أَنْ يكون هناك شَخص ما لِيَخيط هذه الجُروح حتّى تَشفى، أَو أَنْ تكون هذه الخُيوط مَوجودة، لكنَّنا لا نَجْرُؤ على أَن نَدَع أَحدًا يفُكُّ غُرَزها. وطَريق المُحارِب هو مُواجهة الجُبن وكُلِّ المَخاوف، وغايةُ المُحارِب هي أَلّا يَشعر بالخَوف. لكنّ الأَرضَ الّتي يَنطلِق مِنها المُحارِب هي الخَوفُ ذاتُه. وحتّى نَتخلّى عن الخَوف يَلزم أَن نَعرف ما الخَوف؟
الخَوف هو النَّرفزة والاضطِراب، والشُّعور بعَدم الكِفاية، والشُّعور بأَنّه لا يُمكننا التَّعامُل مع كلّ التّحدِّيات الّتي نُواجهها في حَياتنا اليَوميّة، فنَشعر بأَنّ الحياة تَغلبنا أَو تَسحقنا. ويَستَخدم النّاس المُهدِّئات واليُوغا لكَبت مَخاوِفهم، ويُحاولون أَن يَعيشوا مِثل مَن يَطفو على سَطح الماء دُون الغَوص فيه. قد يَأخذون استِراحة حتّى في ستاربوكس مثلًا أَو في المول، حيثُ لدينا كلُّ الأَدوات وأَساليب التَّحايُل، على أَمَل أَلّا نَشعُر بالخَوف.
لكنْ مِن أَينَ يأتي الخَوف؟
يَأتي الخَوف مِن الارتِباك الأَساسيّ.
ومِن أَين يَأتي الارتِباك الأَساسيّ؟
يأتي الارتِباك مِن عَدم القُدرة على إحداث تَناغُم بَين الجِسم والذّهن. فعندما نَجلِس على مَقعَد التَّأمُل، إذا لم يَكن هذا المَقعد مُريحًا، فسنَجد صُعوبة في أَن نُحقِّق التَّناغُم بين أَجسامنا وأَذهاننا، فنَفتَقد بالتّالي الإحساسَ بالمَكان أَو الهَيئة الّتي نَجلِس فيها. وهذا يَنطبق على الحَياة كلِّها، وعلى الشاكلة نفسِها. إذا لم نَقِف على أَساس قَويّ وهَيئة مُناسِبة في العالم، فَلَن نستطيع أَن نرتبِط بشَكل مُناسب بتجارِبنا أَو بباقي العالَم. فالمُشكلة إذن تَبدأ ببساطة هٰكذا: عندما تَفتقد التَّناغُم بين الجِسم والذِّهن تَشعر وكأَنّك صُورة كاريكاتوريّة عن نَفسك، فتَكاد تكون كالغَبيّ أَو المُهرّج. وفي مِثل هذا الوَضع يَكون مِن الصَّعب عليكَ الارتِباط بِبقيّة العالَم.
تِلك صُورة مُبسّطة عَن “ذِهنيّة الشَّمس الغارِبة”، حِينَما تَفقد التَّناغُم البَشريّ فيك”. وفِكرة الشَّمس الغارِبة هنا هي أَنَّ الشَّمس حينَها تكون في حالة الغُروب في عالَمك، فلا تستطيع السُّمُوّ فَوق العَتمة. فتَشعر أَن ليس هناك سوى التَّعاسة والغُيوم والزِّنزانة، أَمّا الحَياة ففي المِزراب. ولكي تُعوِّض عن ذلك قد تَذهب إلى زِنزانة بإضاءة خافِتة حيثُ تَشرب حتّى الثُّمالة. هذا يُقال له نادٍ، تَرقص فيه مِثل قِرد سَكران نَسِيَ مَوزه وبَيته في الغابة منذُ عَهد بعيد؛ ولذٰلك فهو يَحتفل بشُرب البيرة الرَّخيصة ويَهزّ ذَنَبه. المُشكلة ليسَت في الرَّقص بحَدّ ذاته ، ولكنّه في هذه الحالة هو شَكل مِن أَشكال الهُروب أَو تَجنُّب ما فيكَ مِن خوف. وهذا مُحزِن جِدًّا. هذهِ هي الشَّمس الغاربة، إنّها طَريق مَسدود. طَريق مَسدود جِدًّا.
لكنّ شَمسَ الشُّروق العَظيمةَ هي الشَّمس الّتي أشرقَت بالكامل في حَياتك. هي شَمس اليَقَظة، شَمس الكَرامة الإنسانيّة. وهي عَظيمة لأَنّها تُمثِّل الهِمّة وصِفات الانفِتاح واللُّطف. فلديكَ إحساسٌ بانتِصاب قامتِك في عالَمك، قامتُك مَرفوعة فوقَ كَتِفَيك. والجِهة هي الشَّرق لأَنّ هناك ابتسامةً مَرسومة على وَجهك. الشَّرق يَدلّ على الفَجر. فحينَما تَنظر في الصَّباح، تَرى النّور قادمًا مِن الشَّرق، حتّى قَبل شُروق الشَّمس. فالشَّرق إذن هو الابتِسامة المَرسومة على وَجهك حينَما تَستيقظ. الشَّمس تُوشِك على الشُّروق، والهَواء المُنعش يُنسِّم مع الفَجر. فالشَّمس في الشّرق، وهي عَظيمة.
هنا، الشَّمس مُكتمِلة وناضِجة، الشَّمس الّتي تَراها في السّماء نحوَ العاشِرة صباحًا. وهذا على عَكس صُورة القِرد السَّكران الذي يَرقص تَحت أَضواء مُنتصَف اللَّيل الخافِتة. المُقارَنة مُذهِلة ومُلفِتة جِدًّا! فرُؤية الشَّمس المُشرقة العَظيمة سامِيةٌ، ويَقِظة، ومُنعِشة، ودَقيقة.”

مَن هو تشُغيام ترُنغبا

المعلّم المُلهِم تشُغيام ترنغبا أدخل إلى الدير البوذي وهو بعمر صغير جدا، وتخرّج في عمر الثامنة عشرة بما يُعادل درجة الدكتوراة (doctor of divinity) kyorpön ودرجة  khenpo  أي Master of studies. وهو من أوائل المعلمين الذين أتقنوا اللغة الانجليزية وسافر للغرب وقد أجاد فهم الثقافة الغربية حيث درس في جامعة أكسفورد. في عمر العشرين مرَّ بتجربة محفوفة بالمخاطر والمخاوف حين سار مشيا على الأقدام يقود خَمْسُمِائَة شخص من التبت إلى الهند أثناء الاجتياح الصيني. وبعد قضاء بعض الوقت في بريطانيا (حيث تعرّض لحادث سير أصيب على إثره بشلل نصفي ولكنه ترك الرهبنة بعد ذلك، ولم يرُق ذلك كثيرا لبعض الانجليز هناك لأنهم كانوا يبحثون عما هو غريب وغامض فكانوا معجبين بثوب الرهبنة وحسب، لكن المعلم ترنغبا قام بما رآه أنّه يناسبه ولم يكن همّه أن يُرضي أحد وقال أنهم عندما ينظرون إلي كانوا ينظرون إلى ثوب الرهبنة ولا يُنصتون إلى ما أقول. وكذلك لم يُعجب ذلك بعض التبيين في بريطانيا  لأنهم أرادوه أن يبقى نموذجا تقليديا”. واتخذت زوجته ديانا قرارا رائعا بأن يسافرا إلى أمريكا وهذا فتح بابا لتعاليمه أن تنتشر وتزدهر حيث اجتمع حوله كبار المفكرين والشعراء الأمريكيين وترك الكثيرون كل شيء وراءهم لتلقّي التعاليم منه. وقام بنقلة نوعية في حياة الكثيرين من الهيبيين، فقد انغمس في الحياة الأمريكية في السبعينيات وفهمها تماما، فاستطاع أن يوصل الحكمة البوذية العميقة بشكل يفهمه ليس فقط الأمريكيين بل أي انسان في هذه الحياة المعاصرة”. 
في هذا الفيلم نرى ومضات رائعة ومُلهمة ومُستَفزة من حياة الرائع ترُنغبا، أتمنّى أن تشاهدوه بذهن منفَتح وفضول ومَرَح:

About the author

Dharmabustan

إ

Leave a Comment