من كتاب منغيور بهجة العيش The Joy of Living: ” يعتبر التفكير النشاط الطبيعي للذهن، ولا يعني التأمل ايقاف الأفكار، فالتأمل ببساطة هو العملية التي يرتاح فيها الذهن في حالته الطبيعية، وهي الحالة التي يكون فيها الذهن مفتوحا وواعيا بشكل طبيعي للأفكار والعواطف والاحساسات كما تحدث دون اصدار أي أحكام عليها أو على الذهن أو النفس. والذهن مثل النهر لايمكن اقافه كما لايمكن ايقاف القلب عن الخفقان والرئتين عن التنفس) وهذا لايعني أن  نكون عبيدا لما ينتجه الذهن، عندما لا تفهم طبيعة الأفكار ومصدرها، و عندها تصبح رهينة لها. عندما أدرك بوذا شكياموني طبيعة ذهنه nature of mind عكس العملية وأظهر لنا كيف نستخدم ونستعمل أفكارنا بدلا أن تستغلنا هي ونصير رهينة وعبيدا لها“.في أيامنا هذه، ذهننا مليء بالتفكير، كثير من الافكار في رأسنا وكأن أجسامنا باتت منفصلة عن أذهاننا، وهذا بدأ يؤدي للكثير من الأمراض النفسية. ونحن مختاجون أن نعيد الانسجام والتكامل بين الذهن والجسد. والتأمل يساعدنا في ذلك. 
ونحتاج قبل التأمل أن نولد داخلنا مشاعر الرغبة في التحرر من كل أشكال المعاناة وتعزيز الرأفة compassion  والمحبة لنفسنا وجميع الكائنات، وأن يؤدي ذلك لنفع جميع الكائنات بما في ذلك أنفسنا وكل من نحب وأولئك الذي لا يعنينا أمرهم أو لا يعنيهم أمرنا ومن لا نحب ومن نراهم أعداء لنا.

الدرس الأول

هيئة الجسم عند التأمل:

من الضروري جدا الابتعاد عن أي شد ذهني وجسدي وذلك طبعا بتوخي اللطف والمحبة مع الذات فليس الغرض التعذيب أو التركيز وكأننا في سجن. وينصح معلمي تيم أولمستيد Tim Olmsted هنا أن الموضوع ليس موضوع تركيز بل توجيه الانتباه وليس نوعا من التوتر بل أفضل ما يمكن تشبيهه هو كما الفراشة تحط على الزهرة …

في هيئة الجلوس هناك 7 نقاط:

  1. الجلوس متربعا: الرجل اليمين فوق الشمال أو العكس، فلا داعي للقلق، فالمهم اتخاذ الهيئة التي تريحك. ويمكن كذلك الجلوس على الكرسي.
  2. اليدين: يمكن وضعهما اليمين فوق الشمال أو العكس. ويمكن وضعها فوق الركبتين أو الفخذين حسب طول اليدين وحسب ما هو مريح بالنسبة لك.
  3. الكتفين والذراعين: من الهام جدا بقاء الكتفين بحالة استرخاء تام أثناء التأمل، ، ابقاء مسافة بسيطة بين الذراعين والجسم ان أمكن ذلك فلا تكونان ملتسقتين بالجسم. ومن المهم توسيع الكتفين : وأفضل وصف لذلك هو وكأنك في هيئة رامي السهم من خلال القوس
  4. استقامة العمود الفقري: دون ميلان يمين أو يسار أو انحناء للأمام أو الخلف
  5. الرقبة: في حالة استرخاء كامل دون شد، وتتناسب مع استقامة العمود الفقري وكأنها مربوطة بشنكل مع انحناء بسيط جدا للذقن من الأمام حتى لا تكون الرقبة منحنية للوراء وحتى تكون في حالة راحة واسترخاء.. وأكرر لا انحناء للأمام أو للجانبين أو للوراء.
  6. الفم: الشفاه مفتوحة بشكل بسيط واللسان مرتاح وقريب بعض الشيء من أعلى باطن الفم أو سقف الخلق القريب من الأسنان وبشكل مريح
  7. العينان: بالنسبة للمبتدئين من الأفضل اغماضهما وذلك أسهل لتهدئة الذهن، وفتح العيون فيد حتى لا نتعلق بالتجارب الجميلة التي نمر فيها أثناء التأمل والعيون مغمضة، وإبقاء العيون مفتوحة يفيد في الوضوح الذهني والشعور بالارتباط مع العالم الخارجي. وبالنسبة لمستوى النظر: يمكن أن يكون النظر للأسفل بشكل يمكنك من رؤية طرف الأنف، أو مستوى النظر باستقامة أو إلى الأعلى بقليل. ويمكن تغيير مستوى النظر أو الرمش عند الحاجة لكن دون الاكثار من ذلك.

يمكن الاستعاضة عن ذلك من خلال نقطتين فقط:

  1. المحافظة على العمود الفقري مستقيما حتى شاكرة الرأس أو الشاكرة التاجية
  2. المحافظة على استرخاء الأرجل والعضلات

ويفيد الالتزام بهتين النقطتين عند القيام بأي نشاط سواء خلال العمل أو حتى قيادة السيارة

 

الدرس الثاني

تهدئة الذهن:

يطلق على التأمل على هدوء الذهن Shamatha شَمَاتا ويمكن أن تكون بالتأمل على شيء (مثل وردة أو شمعة أو صوت معين أو احساسات معينة … إلخ) Shamatha with object  أو دون التأمل على شيء معين  Objectless Shamatha

  • من الضروري عدم الشد أو التوتر بل الترحيب بالأفكار وهي تقبل على ذهنك أو تغادره! وأول تمرين سنقوم به هو تمرين اللاتأمل أي مجرد الاسترخاء ودون أن تتوتر وتشد على نفسك ودون أن تقول: ” أنا الآن أتأمل ..يجب أن أركز..سأقطع حبل الأفكار …”

تمرين بسيط:

اجعل عضلاتك تسترخ (يمكن الرجوع الى تسجيل النقاط العشرة لتساعدك في استرخاء الجسم) ويمكن تخيل أن كل التوتر يذوب من أعلى اللرأس إلى الأسفل أو العكس من الأرجل وحتى اعلى الرأس، وأبق العينين مففتوحتين أو مغلقتين. (كيف تشعر؟) دع الهدوء والسلام يملؤك، هذه اللحظات يمكن اعتبارها تأملا فأفضل التأمل هو التأمل الخقيقي حيث نبقي الذهن كما هو فلا نشد عليه أو نأمره بأن يركز.

خطوات:

  • الوضوح والصفاء: تأمل في ذهن الطفل وهو مزيج من الانتعاش والوضوح فهو يرى دون الكثير من التفكير والحكم على الأشياء وحواسه منفتحة للغاية، ولايوجد تعلق وتشبث بالأفكار
  • فكر بالمصباح فهو يضيء بذاته ويضيء للآخرين، وهكذا الذهن الصافي مفتوح ومنير بذاته.
  • ويفضل الناس النوع الأول من التأمل لأن كل ما عليك القيام به هو الاسترخاء وتقبل ذهنك كما هو والآن لا أريدكم أن تشدوا على أنفسكم وتقولوا ذهني مثل المصباخ أو ذهن الطفل، فهذا ليس الغرض من هذا الشرح.
  • مثل البِركة الصافية لكن اذا حركتها فأنت تثير ما فيها من طين وتتكدر بذلك، فإذا شددت على نفسك فأنت مثل الذي يحرك الطين في البركة فلاتعد صافية
  • ويشعر بعض الناس بالدوخة أو عدم الارتياح لأن ما يمارسونه ليس الطريقة الصحيحة في التأمل، فهم إما يشدون على أنفسهم أو يركزوا بشدة ويعقدوا جبينهم أو يتظاهروا بأنهم في سلام ولا ينتبهوا مثلا لوضع الرقبة أو استقامة العمود الفقري أو توتر عضلاتهم….الاسترخاء الاسترخاء
  • وهذا لا يعني أنه غير مسموح أن تكون تكون خاليا من الأفكار أو العواطف في ذهنك بل أن تلاحظها وتلاخظ وتدرك طبيعتها وعندها تحولها إلى دواء بدلا من مصدر تشتيت كما قال بوذا.
  • وأن تكون متأملا وحاضرا لا يعني أن تكون ضائعا فالهدف هنا هو الوعي،  والوعي بالوعي. وأقصد بالضياع حالة من التشتت يكون فيها الذهن في واد والجسم في واد اخر، جسمك على وسادة التأمل وذهنك في الطعام أو ما ستلبس من ملابس أو ما ستقوم به غدا …. ألخ أو كأنما أنك في السبنما ومستغرق في الفيلم لدرجة أنك لا تعد تعي ما حولك وهذا ضياع. فلابد من الاوعي والاحساس بالوضوح.
  • والصفاء وذهن الطفل والمصباح المنير كلها فيك فلست بحاجة أن تشد على نفسك لتجلب ذلك الصفاء إلى نفسك.
  • ومن الصعب البقاء في حالة الصفاء والهدوء بداية ولكن يمكنك أن تقوم بالاسترخاء والتنفس بارتياح فترات قصيرة وعند التستت تُعيد نفسك بلطف إلى حالة الهدوء ولصفاء. هذاا هو المفتاح وهكذا تتراوح بين التشتت ثم الوعي ثم التشتت والوعي، ومع التدريب المستمر يصبح بإمكانك أن تطيل فترة التأمل أو الوعي والوضوح.
  • تخيل لو أن هناك أشخاص يراقبونك وأنت في المتنزه تحاول الاسترخاء، كم سيكون ذلك مزعجا، وكذلك عندما تحاول فرض الاسترخاء والهدوء والتركيز على نفسك بشدة فإن ذلك سيؤدي للاحباط والنفور.

 

الدرس الثالث

التأمل على شيء ما (Shamatha with object)

 

يمكن اختيار العديد من الأشياء لتوفر دعما لممارسة التأمل والوعي (زهرة، صوت، شمعة، تفاحة، … احساس معين جسدي أو عاطفي …إلخ).

يشبه الذهن المشوش بالقرد المجنون crazy monkey – لأنه لا يهدأ.

وعندما نتأمل على الأشياء يصبح بالامكان لأي شيء أن يصبح دعامة لتأملنا.

التأمل على الجسد

تمرين

  1. بداية لنتأمل على الجسد فنريح العضلات (يمكن الرجوع لتسجيل التأمل على الجسد – على النقاط العشرة تجدها في هذا الموقع) ونغمض العينين.
  2. وكما اتفقنا لن نشد كثيرا على أنفسنا ولن نرغم أنفسنا على التركيز بل نمارس ذلك براحة، اشعر بجسدك، مثلا احساس بالثقل أو الخفة،

التأمل على المشاعر:

تمرين

  1. حاول أن تشعر ببعض الاحساسات واختر واحدا منها للتركيز عليها مثلا احساس بالسرور أو الهدوء، أو الألم، أو الشد، أو الصداع، أو ربما احساسا محايدا أو عدم وجود احساسات.
  2. ومن الضروري عدم الشد أو نرغم أنفسنا على التركيز أو القلق ان ظننا أننا لا نحسن القيام بممارسة التأمل.
  3. نجلب وعينا ونضع انتباهنا على منطقة الجبهة، فهي منطقة حساسة، ونجد هناك العديد من الاحساسات.
  4. نريج عصلاتنا جميعها وعضلات الوجه ونتأكد من استقامة العمود الفقري ونغلق العينين.
  5. تأمل الآن دون توجيه الانتباه على أي شيء محدد

التأمل: وحدة وانسجام بين الذهن والجسد والمشاعر

نبدأ بفحص الجسد بارتياح من أعلى الرأس لأسفل القدمين ونتحرك (بوعينا) ببطيء لنمر على جميع أجزاء الجسم ونلاحظ الاحساسات المختلفة حتى الدقيق واللطيف منها. لكن دون إعمال الكثير من التفكير.

من الضروري أثناء ذلك عدم التعلق والتشبث بالاحساسات الجميلة وملاحقتها ومطاردتها ذهنيا أو محاولة صد الاحساسات غير المرغوب بها فليس القصد من التأمل الصد والدفع لما لا نرغب به من احساسات، وهذا يساعد في تهدئة الذهن، والتأريض – أي عدم الضياع والاستغراق في الأفكار والانفصال عن الواقع.

وسوف تلاحظ ان مجرد الوعي فيه راحة وشفاء وهذا قد يشجعنا أن نخوض هذه التجربة ونعيش حالات جديدة مع وعينا وذهننا.

إضاءة

الطبيعة الجوهرية أو الأصلية للذهن هي الصفاء والنقاء وهذا المبتغى من التأمل – أن ندرك هذه الحقيقة وأن تكون حالتنا الطبيعية هي هذا النقاء والصفاء لكن طبعا من خلال التدرب والمثابرة.

والمعلم منغيور ابتدأ سلسلة من تعاليم التأمل بتوضيح هذه الغاية الأساسية وهذا قلما يشير اليه المعلمون أو يؤجلون ذكره لمراحل متقدمة. فقد رأى أنه من المفيد أن يحصل الطالب على ومضات من  الطبيعة الحقيقية للذهن وهي الصفاء والنقاء وهذا بيت الذهن وموطنه…بيتنا وموطننا الحقيقي في هذه الحالة الذهنية من الصفاء.

فقد ذكر في البدء محاولة استرخاء الذهن في الوعي المفتوح أي التأمل دون تركيز على شيء: الوعي بكل شيء كما ينشأ  بأن نفتح المجال أمام حواسنا بأن تعي ما تسمع وما تحس وما تشم وما تشعر به وما يرد من فكر وخاطر دون التدخل في تغيير أي من ذلك أو بالتعلق به أو النفور منه. وتكرار ذلك لفترات قصيرة عدة مرات لتمرين عضلة الذهن في التأمل.

 ويمثل ذلك الصفاء الذهن الخالي من التشويش بسبب ضياعنا في أمواج الأفكار والأحاسيس والعواطف وما تتعلق به حواسنا. ويمكن أن نسمي هذا الجانب المشوش أو المضطرب من الذهن. فما علينا إلا أن نعي بذهننا وحواسنا ونجلب احساسا بالمعرفة وبذلك نروض القرد الذي يتنطط في ذهننا.

فالوعي إذا هو المعرفة: المعرفة بما يدور في ذهننا ومشاعرنا وقلبنا ومعرفة ذلك ومعرفة ما يدور حولنا. فأنا أعرف بأنني أراقب وألاحظ نفسي. ثم يشرد ذهننا ونفقد حضورنا والحالة التأملية (يشرد الذهن بأن يسرح في وجبة بيتزا مثلا أو منسف أو لقاء حبيب أو الاستماع لموسيقى معينة أو القلق حول انسان عزيز…) والخطأ أن ننغمس في هذه الأفكار فهي ليست سيئة بحد ذاتها.

وتكون الحالة التأملية بأن أعرف بأنني أعرف، فأنا جالس وجسدي وذهني على موجة واحدة فأنا واع أو عارف بأنني في حالة تأمل أو حضور (فذهني معي في هذه اللحظة وليس عند الجيران).

وإذا نظرنا لهذه المشتتات على أنها سموم فالوعي بها ومعرفتها يحولها إلى دواء وهذا من أساسيات التعاليم البوذية: تحويل السم لترياق. يعني أعرف ما يدور في ذهني ولا أدعه يجرفني مثل السيل الجارف بل أعي به وألاحظه ولا أنكره ولا أتعلق به وهكذا لا يعود شيئا يشتتني ويسرق حضوري الذهني. وكلما ضيّعنا وعينا وحضورنا ودرايتنا بالشارد والوارد نعيد الذهن لحالة الوعي والمعرفة بلطف ومحبة ورأفة بأنفسنا.

وهكذا ومع التدريب والالتزام والحماسة ستصبح الحالة الطبيعية لنا هي الحالة التأملية الواعية بل وقد نصبح في حالة الوعي بالوعي أي واعين لما نعي به ولانعد نحتاج مجهودا في الوصول لهذه الحالة فقد تصبح متأصلة فينا بشكل تلقائي والوضع الطبيعي لنا.

فنحتوي عندها أنفسنا فطاقتنا مركزة فينا وغير مشتة – وبكل بساطة لا تنزلق حكمتنا أو وعينا ويتعلق باللأشياء والمواضيع والأحداث بل يبقى فينا دون اضطراب وتشويش فتعلقه بالأشياء يشتته وينسيه طبيعته الأساسية من النقاء والصفاء.

وهذه الحالة من الصفاء ليست الطبيعة الحقيقية للوعي والذهن البشري فحسب بل هي الصفة المتأصلة في كل الكائنات وعندما نكون فيها يزول وهم الثنائية فكل الأذهان هي سماء صافية ولا يعكرها ما تلبد في جوها من سحب أو عواصف أو غيوم – فطبيعة ذهن البشر سواء المحامي أو الخباز أو السباك أو الوزير أو الملك أو الشرطي أو المعلم  أو رئيس العصابة أو العالم أو الارهابي أو المجرم أو المتنسك …. إلخ  في أصلها نقية مثل شفافية الزئبق أو الألماس. وإدراك ذلك لغاية عظيمة أن تدرك أن جميع الكائنات في أصلها نقية وصافية لكن تعلقها بالأشياء والأنا يحرمها أن تدرك طبيعتها الصافية والنقية. وبهذا الادراك نتخلص من سجن الثنائية “أنا والآخر” ويسمو الذهن إلى أن يصل على درجة من النقاء والصفاء فيدرك المطلق ويصل الاستنارة. لقد عاش بوذا شكياموني دهورا وأحقاب من الزمن وحقق ما حقق من علامات الكمال في صفائه وخلقه ورغبته الكاملة في تحرر جميع الكائنات بما في ذلك نفسه من المعاناة حتى نال بعد ذلك الاستنارة. والأمر ليس مستحيلا فهناك العديد من صاروا بوذات واستناروا – أي أدركوا طبيعتهم الحقيقية الصافية والنقية.