المقالات المُترجمة

تنمية الرأفة داخلنا – الرغبة في رفع المعاناة عن جميع الكائنات

Written by Dharmabustan

 

الرأفة  – الرغبة في رفع المعاناة عن جميع الكائنات

ملخص من كتاب للرّاهبة البوذيّة Thubten Chodron   في تنمية الرأفة

حسب المسار الروحاني البوذي وقبل كل تدريب نولد الرغبة بالشفقة تجاه كل الكائنات دون استثناء والرغبة في تحريرها من كل المعاناة، ويطلق على هذا التوق  كما في الفلسفة البوذية بالبوديتشيتا  Bodhichitta.

في بعض تدريبات الشفقة  نتخيل عادة كل الكائنات، ونبدأ بوالدينا والأقرب ثم الأبعد حتى نضم حتى “الأعداء” والحيوانات وما نراه ومالا نرى من الكائنات. في التدريب الذي أقوم به شخصيا يتطلب أن أتخيل أمي على الكتف الأيسر وأبي على الكتف الأيمن وأمامي كل من أحب ومن لا أحب ومن أعرف ومن لا أعرف وأقوم ببعض الترديدات والتأملات ثم أتخيل النور بعد ذلك يملأ كل هؤلاء الأشخاص. ومع أني ولفترات طويلة في حياتي كنت على خلاف مع أمي وأبي لاختلاف وجهات النظر خاصة حول أمور دينية وثقافية لا أقر بها، ورغم أنه في أعماقنا نعلم كم نحب بعضنا فكان من الصعب  علي القيام بهذا التدريب وعندما سألت أحد المعلمين أنني لست مقفنعة أنه لابد من تخيل الوالدين، فذكر لي ان لم نولد مشاعر الحب للوالدين  – بغض النظر عما حدث في الماضي – لن تكون هناك أي فائدة من تدريبي اذا لم أقم بهذا التأمل، ولن تعتبر نواياي صافية ورغبتي حقيقية ونقية في الشفقة تجاه الاخرين ان لم أحمل مشاعر الشفقة والقيام بفعل حقيقي لتحرير كل الكائنات من المعاناة – كلهم بما في ذلك أفراد الحكومات الفاسدة، والارهابيين، وجيراني المسيئين، والمجانين، وأقاربي اللئيمين ورئيسي في الشغل والصراصير والغنم وومن يكرهني ومن يحبني ومن يغار مني ومن ومن لا يتمنالي الخير….إلخ

عنما تكون أذهاننا مشحونة بالعواطف السلبية والهدامة والأفكار المزعجة حول الاخرين – وعددها 84،000 كما في الفلسفة البوذية – لا يمكن رؤية الطبيعة النقية داخلنا وكذلك نغفل عن رؤية الطبيعة النقية في الاخرين، وحتى لربما يكون بجانبنا شخصا مستنيرا لكن من شدة تشويشنا قد لا نفلح في الانتباه إليه ونخسر خيرا كثيرا بذلك.

وتنمية مشاعر الامتنان والشكر نحو الاخرين حتى الذين لا نعرفهم قد يبدأ بأن ندرك أن مجرد وجودنا على قيد الحياة هو نتيجة لما يقوم به الكثير من الناس حولنا، فالخبز الذي نأكله والماء الذي نشرب والملابس التي نلبسها، لولا الكثيرين من الناس يقوموا بكثير من الخدمات والصناعات لما بقينا على قيد الحياة، فنحن معتمدين جدا على بعضنا البعض. حتى البلايين من الكائنات الدقيقة والتي تساعد في الحفاظ على النظام الحيوي من حولنا وما نرى ولا نرى من الكائنات التي تساعدنا في البقاء، فلا يمكن انكار كل هذا الخير الذي نحصل عليه من الكائنات. وكذلك استنارتنا تعتمدعلى الاخرين وبدون الاحساس بالرأفة تجاه كل الكائنات دون استثناء حتى من نسميهم أعداء، فإن استنارتنا لن تتم. وهكذا لا نعد نشعر أننا أفراد معزولين أننا نستحق ما لا يستحقه الاخرون، وبدلا من منافسة الاخرين والغيرة منهم والعجرفة والرغبة في أن نكون أفضل من الاخرين وأننا أكثر ذكاء أو ثقافة من الاخرين وبدلا من التعلق بالبعض والغضب على البعض والتسبب لهم بالمشاكل واستغابتهم وطعنهم وراء ظهورهم، وانتقادهم، بدلا من هذا كله فلننظر لهم بعين التقدير والمعزة، وهكذا فإن خلق رد الفعل الجديد هذا – تمني الوصول للاستنارة من أجل نفع جميع الكائنات دون استثناء – يعتبر رد فعل جديد لم نعتد عليه أو نألفه من قبل فلا بد من التدرب والتدرب حتى يألف ذهننا هذه النظرة الجديدة للناس والتعامل معهم من مطلق اخر.

وأي فعل نقوم به بدافع نفع الاخرين من منطلق البوديتشيتا – يترك أثرا أو بصمة قوية على التيار الذهني وهكذا تتراكم عندنا الامكانات الايجابية لأننا نتمنى الأفضل لكل كائن.

 

وهناك طريقة لمواجهة العواطف السلبية والأفكار المزعجة: في الغضب نتفكر في الحب والصبر، وعند الغيرة نتأمل في البهجة والسرور لسعادة الاخرين، وعند الشك نتأمل على النَفَس لنهدء ذهننا ونستخدم الحكمة لتبديد الشك. وهكذا نصبح أطباء لأنفسنا.

وطبعا قد نحتاج لأن نحمي أنفسنا لكن القصد أن نتجنب قدر الامكان اللجوء للعنف.

ومن الضروري عدم التعلق والخلي عن التشبث بأشياء مثلا الرغبة في أن يحبنا الجميع دون استثناء والحصول على ثناء وقبول من الجميع، فلا يوجد قانون يقول بذلك، فإذا نشر أحد الشائعات عنك، أو حتى أمورا حقيقية حولك فلا داعي للغضب والاستياء والحديث بانتقاص حول هؤلاء الأشخاص، ففي بعض الأمور – والتي لا تمثل خطرا علينا وأذى واضح – نحتاج أن “نتقبل تلك الهزيمة” ذهنيا وعدم التشبث بسمعتنا حد الهوس. لكن عندما تصل الأمور حد الأذى لابد من توضيح الأمور ووضعها في نصابها لكن دون الحديث بفوقية تجاههم وانتقاص لهم. ولا ننسى أننا أنفسنا نقوم أيضا بالأشياء السلبيبة فلسنا منزهين عما يزعج الاخرين أو يضرهم، فليس الاخرين هم مصدر السلبية فقط ونحن قمة النقاء والكرم!

وما نجنيه من ثمار أو ما يحدث لنا من عواقب مرتبط بدوافعنا من وراء ذلك. فهناك أناس يقوموا بتدريبات عليا من أجل نفع شخصي بحت، فغايتهم الحصول على طاقات عالية ونيل مواهب مثل الجلاء البصري أو السمعي حتى يحترمهم الناس ويقدرونهم، لكن ما النفع الذي جلبوه للعالم ولأنفسهم سوى تضخيم الأنا؟ قد تتأتى هذه الأمور الروحانية العليا للسالك على الطريق وهذا ليس مشكلة لكن المشكلة أن تكون هي الغاية التي من أجلها يسلك  الناس من مسارا روحانيا.

ففي المسار الروحاني البوذي نقوم بتدريبات توجه الذهن وتأخذه إلى حالات مختلفة، وبداية نولد الرغبة في أن يكون جميع الناس سواء في تجنب التحيز والتعلق والغضب، وأن ينال الناس (بما في ذلك أنفسنا) السعادة وأسبابها؛ وألا يكون هناك ما يحول بين الكائنات وبين السعادة والبهجة جميعا دون استثناء ثم نولد داخلنا توقا لتحقق هذه الغاية ثم نأخذ التزاما على عاتقنا بأن نكون سببا في تحقق ذلك.

والسعادة التي نتمناها لجميع الكائنات – دون استثناء أنفسنا – 1) سعادة مؤقتة تتمثل في إعادة الميلاد في ظروف أفضل وفي عوالم هنية ضمن السمسارا (دائرة تكرار الميلاد) 2) و السعادة المطلقة والتي تتمثل في التحرر والاستنارة خارج حدود السمسارا.

About the author

Dharmabustan

إ

Leave a Comment