تأمل الطيبة المُحبة – Loving-kindness Meditation
ملخص من كتاب بهجة العيش The Joy of Living للمعلم يونغي منغيور رينبوتشي Yongey Mingur Rinpoche
يظن بعض الناس أن العالم سيكون مملا اذا تحلى الجميع بالشفقة (أي الرغبة في رفع المعاناة عن النفس وجميع الكاءنات) والطيبة المُحبة، ويرى المعلم أن لا شيء أبعد ما يكون عن الحقيقة من هذا القول، فالذهن الذي يتزين بالشفقة ذهن متنبه ومثابر، ولا نهاية للمشاكل في هذا العالم، يموت الاف الأطفال كل يوم من الجوع، ويذبح أناس في الحروب دون أن يذاع ذلك في التقارير الاخبارية، ويزداد تركيز الغازات السامة في طبقات الجو مهددا بذلك وجودنا على هذه الأرض. ولسنا بحاجة لأن ننظر بعيدا للبحث عن المعاناة فهي حولنا فهناك مشاكل الطلاق، وأناس يحاولون جاهدين التعامل مع أقربائهم ممن يعانون من أمراض جسدية أو عقلية، وأناس يفقدون وظائفهم، ومئات الحيوانات التي تموت كل يوم بسبب تخلي أصحابهم عنهم أو ضياعهم.
تمرين 1
اكتب قائمة ب 10 أشياء لمشاكل ترغب بايجاد حل لها – شخصية أو عالمية. وهذا التمرين سيغير من موقفك بدرجة كبيرة – وسيوقظ داخلك الشفقة الطبيعية في ذهنك الحقيقي.
سأل بعض الطلاب المعلم منغيور لماذا تستخدم البوذية مصطلحات الشثقة أو الطيبة المحبة بدلا من استخدام كلمة الحب هكذا ببساطة، فأجاب المعلم أن كلمة الحب شديدة الارتباط بالاستجابات العاطفية والذهنية والجسدية المتعلقة بالرغبة أو الشهوة، وهناك بعض من الخطورة في ربط هذا المظهرالذي يعزز وهم الثنائية – أنا والاخر – “أنا أحب ذلك الشخص أو الشيء”وكأن هناك حسا بالاعتماد على الشحص أو الشيء المحبوب، وعلى المنفعة الشخصية في الحب وكونك محبوبا. طبعا هناك أشكل من البب تسمو فوق المنفعة الشخصية مثل حب الوالدين لأبنائهم.
لكن الشفقة و الطيبة المحبة تجعلنا نتوقف للخظة مثل اشارة قف في المرور، نتوقف ونفكر في علاقتنا مع الاخرين، ومن وجهة نظر بوذية، تمثل الطيبة المحبة توقا بأن تعيش جميع الكائنات بما في ذلك الأشخاص الذين لا نحبهم البهجة والحرية التي نتوق نحن أنفسنا اليها – مدركين أن لدينا جميعا نفس الرغبات والاحتياجات: أن نعيش حياة بدون خوف أو ألم أو أذى. حتى النملة والصرصور لديهم نفس هذه الاحتياجات والمخاوف مثل البشر، وتمثل الطيبة المحبة تحديا لتنمية هذا الوعي من اللطف على المستوى العاطفي وليس مجرد نظرية فكرية أو فلسفية بحتة.
ومن خلال الشفقة لا نكتفي أن نرى كل كائن احر مساويا لنا بل يتعدى ذلك لأن ما يشعر به نشعر به أيضا وأن ما يجرحه أو يؤلمه يجرحنا ويؤلمنا أيضا. وأن ما يدعمك يدعمني أيصا. وبناء على مفهوم الشفقة ضمن الفلسفة البوذية فإننا نرى الاخرين كأنفسنا وعلى استعداد دائم لتقديم الدعم. وهناك تجارب علمية تثبت أن ما ارتبط لبعض الوقت يحافظ على ارتباطه والى الابد، فإذا كان هناك مؤثر على ذرة في كوننا فإنه سيؤثر على بقية الذرات. وهذا ممكن نظريا حتى ولو أنه لم يثبت بعد.
تأمل الطيبة المُحبة
من الضروري التدرج في التدرب على هذا النوع من التأمل مثل غيره وألا نستعجل أبدا: قصة: بينما كان المعلم العظيم ميلاربا Milarepa (القرن الحادي عشر ميلادي) يشدو بصوته وينشد التعاليم، سمعه أحد سكان القرية وأراد من لحظتها أن يترك كل شيء ويصبح ناسكا، ورغم نصيحة ميلاربا له أن يبقى قي منزله ويتدرب بالتدريج على الشفقة بدلا من الاستعجال، الا انه لم يستمع لنصيحة ميلاربا وأعطى كل ما يملك وبكل حماسة وذهب إلى كهف ليتأمل دون أي تدريب مسبق، وبدأ يجوع ويشعر بالبرد الشديد وبعد 5 أيام من الجوع وعدم الارتياح فكر بأن يعود للقرية ولكنه كان محرجا من نفسه، فماذا سيظن الناس به بعد أن تخلى عن كل شيء وأعلن تنسكه. لكن بعد اليوم السابع لم يستطع الاستمرار وعاد للقرية وطلب من جيرانه أن يعذروه ويعيدوا له كل ما أعطاهم. ثم ذهب لميلاربا وبكل تواضع وطلب منه ارشادات وتعاليم ليتهيأ للتدرب على التأمل، وعلمه ميلاربا ونال حكمة عطيمة ودرجة عالية من الشفقة ونفع الكثير من الكائنات. وطبعا الحكمة والدرس المستفاد هنا هو عدم الاستعجال في التدرب وتوقع نتاءج فورية.
ويقول المعلم منغيور “لقد تدربت على تنمية الشفقة عبر 3 مستويات ومدة كل مستوى عدة أشهر: المستوى الأول يتمثل في التدرب على الشفقة وتنميتها تجاه النفس والمقربين، تماما مثل تعلم مهارات الحساب نبدأ بالأساسيات ثم ننتقل للمهارات الأكثر تقدما، والمستوى الثالث يتم التدرب على تنمية الشفقة والطيبة المحبة بلا حدود تجاه جميع الكائنات: والمستوى الثالث يتمثل في تنمية البوديتشيتا Bodhicitta – وهي توق الذهن لتحرير جميع الكائنات من المعاناة وايصالهم للاستنارة – وهي نوعان المطلق والنسبي. وتتمثل البوديتشيتا المطلقة في ادراك أن جميع الكائنات بغض النظر عما يقوموا به مستنيرين تماما. والبوديتشيتا النسبية تتضمن تنمية الرغبة لجميع الكائنات أن تصبح متحررة تماما من المعاناة ومدركين لطبيعتهم الحقيقية، وهي عبارة عن التوق لاستنارة الجميع مع القيام بالأفعال لنيل هذه الغاية.
المستوى الأول
“كلما صددت مشاعر الشفقة في داخلي كلما شعرت بالصغر والضعف والخوف”
“من السهل جدا أن نظن أننا الوحيدين الذين نعاني في هذا العالم، وهذا يجعل من مشاكلنا تبدو أكبر بكثير مما هي عليه. ومع مارستي للتأمل والشفقة بدأت مشاعر العزلة بالزوال”.
وفي التدريبات الأولى يكون التركيز على تقدير الذات، وهذا شيء صعب خاصة في الثقافات التي تجعل الفرد مستغرقا في نقاط ضعفه الشخصي بدلا من نقاط القوة لديه، ويقول المعلم ” لقد ساعدني تنمية الشفقة تجاه نفسي في السنة الأولى التي دخلت فيها معتزلا retreat، ولما خرجت من غرفتي لو لم اتصالح مع طبيعتي الحقيقية ورأيت عندها من خلال النظر العميق في ذهني قوتي الحقيقية بدلا من الضعف الذي ظننت أنه الشيء الوحيد داخلي”. ويشير المعلم إلى مصطلح جميل في اللغة السنسكريتية، وهو purushka وهو يعني الانسان وهو حرفيا يعني الشيء الذي يتمتع بالقوة، فكونك انسانا أو انسانة يعني أنك تتمتع بقوة خاصة القوة في تحقيق ما نريد والتي في أساسها الطبيعة البيولوجية الأساسية في أن نكون سعداء ونتجنب الألم.
تدريب تأمل الطيبة المُحبة (Loving-kindness – وبلغة بالي Matta Bhavana :
- بداية نولد مشاعر الحب والدفء والطيبة المُحبة والشفقة تجاه نفسك – أي تجعل من نفسك موضوعا لتأملك.
- ثم أرح ذهنك دون التركيز على أي سيء.
- قم بتفحص احساساتك الجسدية واشعر بالسعادة الكبيرة أن لديك ذهنا وعقلا وجسدا لتقوم بمثل هذا التأمل! اجعل ذهنك يرتاح على ما أدركته من سعادة.
- ثم وبتلطف دع فكرة الخير المتأصل فيك تتسرب شيئا وشيئا إلى ذهنك، “كم هو جميل أن أشعر بالبهجة للخير المتأصل في داخلي وهو طبيعتي الجقيقية، كم هو جميل أن أعيش مشاعر الابتهاج وأسباب السعادة والسلام والخير.
- يمكنك تكرار ذلك بشكل جلسات قصيرة تراوح فيها بين التأمل على تلك المشاعر تجاه نفسك ثم اراحة الذهن دون التركيز على أي شيء، يمكن للجلسة أن تكون بضع دقائق حتى يعتاد الذذهن على هذا الوعي الجديد والنمط الجديد
- عندما تعتاد وتألف مثل هذه المشاعر من السعادة والحب تجاه نفسك، قم بتوسيع هذه الدائرة من المشاعر لتضم الكائنات الأخرى بما في ذلك الناس والحيوانات و حتى الحشرات.
- نختار شخصا مثلا نجمل تجاهه الكثير من مشاعر الدفء والمعزة. وفي النصوص الكلاسيكية البوذية عادة ما يجب أن نبدأ بأعز ما عندنا وهو الأم أو أحد الوالدين – لكن لأنه وخاصة في الثقافات الغربية لا توجد علاقات دافئة مع الوالدين عند البعض فيمكن اختيار صديق عزيز أو ابن أو معلم ليكونوا ما نركز عليه في هذا التأمل ممن نكن لهم مشاعر عميقة الدفء والحب.
- نبدأ بالجلوس في الوضعية الصحيحة للتأمل (النقاط السبعة – يمكن الرجوع لصهحات التأمل في هذا الموقع والتي توضح ذلك) لكن اذا كنت جالسا في القطار أو الباص ما عليك سوى أن تعدل استقامى العمود الفقري
- أرح دهنك ( كما لو كنت تركض مسافة ثم جلست لترتاح ). دع ذهنك يرتاح بشكل طبيعي ودون أي شد ودون التركيز على أي شيء وكما ذكرت مثل فراشة تحط على زهرة.
- بعد أن أرحت ذهنك دون التركيز على أي شيء، تخيل ذلك الشخص العزيز الذي تكن له حبا عميقا، ولا تندهش اذا ظهر شخص غير متوقع. قصة: كان أحد الطلاب يحاول تخيل جدته التي اعتنت به في طفولته وأظهرت له الكثير من الحب، لكنه عندما بدأ بالتخيل لم تظهر له الجدة بل ظهر أرنبه الذي كان يربيه في طفولته، وهذه الحكمة الطبيعية لذهننا فلا نحاول أن نفرض على ذهننا ما يجب أن يتحيله بل نستسلم لما يجلبه لنا ذهننا. فهذا من الأمور التي ستعزز من قوة تدريبنا على التأمل.
- حاول أن تولد مشاعر الدفء واللطف والطيبة المُحبة والشفقة تجاه الشخص الذي اخترته وبكل تلقائية.
- دع هذه المشاعر تستقر في ذهنك مثل بذرة مزروعة في التربة.
- راوح بين التأمل على شخص وبين اراحة الذهن بأن لا يركز على شيء بأن يكون في فضاء الوعي الممتد متنبها وواعيا (فالغرض كما أذكر دائما ليس الانفصال عن الواقع بل رفع مستويات الوعي لأعلى درجة
- اسأل نفسك كم من السعادة تريد وكم أرغب بالتحرر من المعاناة، ثم تخيل ذلك الذلك الكم من السعادة والبعد عن الألم ي
تأمُل” وضع نفسك مكان الاخرين”:
يطلق أهل التبت على هذا النوع من التأمل (تُنغ لن)
(وترى الراهبة ثُبتن تشودرن أن هذا النوع من التأمل يشكل طريقا سريعا في تنقية الكارما السلبية، ويخلق الأسباب لحياة أطول وصحة أفضل، وتحقيق السعادة المؤقتة والسعادة المطلقة)
الفرق بين شحن البطارية وشحن أنفسنا بالشفقة والطيبة المُحبة هو أنه اذا عودنا أنفسنا أن نستجيب بشفقة تجاه الاخرين فإن هذا يولد سلسلة من الارتباطات العصبية التي تستمر دون أن تفقد شحنها!
- نجلس بهيئة التأمل المعتادة مع المحافظة على استقامة الظهر، ونرح ذهننا للحظات ثم نجلب لذهننا ( هذه النقطة من كتاب للراهبة ثُبتن تشودرن: نجلب لذهنك صورتك في المستقبل وأنت كبير في السن ومريض ووحيد وخائف من الموت، ثم تولد إحساسا كبيرا بالشفقة تجاه نفسك في المستقبل ورغبة قوية بتحريرها من المعاناة، تخيل أنك تتنفس هذه المعاناة والاسباب المؤدية لها والتي تصدر من تلك الصورة في المستقبل على شكل دخان كثيف أو تلوث وانك تستنشقه ثم تحوله إلى نور وتشعر بالراحة التي تشعر بها وأنت في المستقبل، تخيل أن هذا النور أو البَرق المتوهج يُشتت ويبدد كل العواطف السلبية والمواقف المُربكة والتي تجثم في قلبك مثل كتلة قاسية، وهذه الكتلة هي نتاج الجهل والتمركز حول الذات، وهي تتبدد نتيجة لشفقتك وحبك لنفسك في تلك الرحلة في المستقبل) – طبعا لا تخشى أنك ستمتص هذا الدخان أو التلوث وأنك ستمرض!!! بل على العكس فإن هذا التخيل سيقويك ولن يصيبك بالمرض – ولا تنسى أن هذا التأمل قد مارسه كبار اليوغيين والمتنسكين والمعلمين على مدى دهور)
- استرخ بعد ذلك برهة في هذه الحالة الاتساع الذني والانفتاح القلبي
- (ثم نجلب لذهننا شخص نحبه ونقوم بنفس الشيء من تخيل النور العطيم في قلبنا ونرسله لمن نحب ونتخيل أننا نحول كل ما لدينا بما في ذلك جسمنا وفضائلنا وايجابياتنا كلها وما هو ممكن منها ليتحول إلى ما يحتاجه ويرغب به هذا الشخص العزيز، وأنه يتقبله ويشعر بالسعادة والرضى ثم أنت بدورك تشعر بهذه البهجة والسعادة لسعادته أو سعادتها) واستمر في القيام بنفس الأسلوب لتضم حتى من ترى فيهم أعداء ومن تسببوا لك بالأذى وكائنات أخرى ربما في قارات أخرى من العالم وتخيل أنك تمتد اليهم بهذا النور العظيم من قلبك وأنك تمنحهم كل ما يحتاجوه).
- ثم نجلب لذهننا شخصا لا نحبه، ومن الضروري ألا نصدر أحكاما حول ما نشعر به تجاه هذا الشخص، بل نكن على درجة من الوضوح والانفتاح تجاه ما نشعر به في واقع الأمر تجاه ذلك الشخص.
- استحضر ما تشعر به في داخلك سواء كان غضبا أو صدا أو غيرة أو رغبة …إلخ وتذكر أن الشخص الذي اخترت كموضوع للتأمل ليس هو مصدر ما تشعر به من ألم، بل الطريقة التي استجاب بها ذهنك لما قام به هذا الشخص – تذكر مثلا شخصا كلمك بقسوة أو احتقار أو انتقدك. اسمح لنفسك بأن تدرك أن ما حدث هو مجرد شخص أصدر أصواتا تجاهك وأنت سمعتها، ثم تأمل على هذا الصوت، ثم تأمل على نَفَسك لتهدئ ذهنك.
- في هذه اللحظة أمامك 3 خيارات: أولا وهو احتمال كبير أن تسمح لنفسك أن تحترق بنار الغضب أوالصد أو مشاعر الذنب. ثانيا وهو احتمال ضعيف أن تقول في نفسك ربما من الأفضل أن أتأمل أكثر على ذلك الصوت. وثالثا تتخيل أنك ذلك الشخص الذي قال ذلك الكلام المؤلم واسأل نفسك هل قال ذلك الشخص ما قاله بدافع ايقاع الأذى بك أو لمجرد أن يخفف عن نفسه مشاعر الخوف. انت تعلم الان أن الناس أو حتى جميع الكائنات تتصرف بدافع الرغبة في الشعور بالامان أو السعادة. وعندما يتسببوا بالأذى فإن ذلك يكون لأنهم خائفين. وأنت تعلم ما هي مشاعر الخوف.
- يمكن التدرب على هذا النوع من التأمل تجاه أناس أوكائنات لا تربطك بهم أي علاقة، مثلا طفل يحتضر من الجوع في مكان ما في العالم أو حيوان وقع في فخ ويحاول بكل جهد أن يهرب ليلوذ بنفسه …
المستوى الثاني:
هناك تأمل يتعلق بتوليد الطيبة المُحبة واستقبالها. وهي تتطلب أسلوبا بسيطا من التوفيق بين التنفس والتخيل. والخطوة الأولى تتمثل في كل الكائنات ترغب في السعادة مثلك تماما. وفي هذا التأمل لست مضطرا لتخيل كائنات معينة لكن يمكنك ذلك. وعلى أي حال فالكون مليئ بالكائنات وعلى نحو لانهائي بما في ذلك كائنات تسكن أبعادا قد لا تملك القدرة أو المعرفة لرؤيتها. لكن توليد ومنح الطيبة المحبة في هذا التأمل يمتد إلى ما وراء ما قد تتخيل. وحيث أنك تدرب نفسك في أن تفكر: مثلما أنا أرغب في السعادة، كذلك كل الكائنات؛ زمثلما أرغب في تجنب المعاناة، كذلك كل الكائنات ترغب بذلك، وأنا واحد وعدد الكائنات لا متناه. وبمثل هذه الأفكار تملؤذهنك تجد أنك تتمنى التحرر من المعاناة للآخرين.
خطوات:
اتخذ هيئة التأمل وحاول أن تهدئ ذهنك بعض اللحظات (راجع مقالات أساسيات التأمل والتأمل على الجسد لتساعدك في هذه الخطوة).
ثم ومع النفس أرسل سعادتك لجميع الكائنات وامتصاص معاناتهم.فمع الزفير تخيل أن كل السعادة التي حققتها في خياتك تُرسل للآخرين على شكل نور نقي ينتشر ويذوب في جميع الكائنات ملبيا كل احتياجاتهم ومنهيا معاناتهم.
ومع الشهيق تخيل أنك تأخذ كل معاناة الكائنات من خلال المنخرين مع النفس مثل دخان أسود وتمتصها في قلبك وبذلك تنهي كل معاناة الكاءنات. ولا تخش أنك بذلك ستمرض أو يصيبك أذى من جراء ذلك التخيل بل هذا تمرين ذهني وروحي لتنقية القلب والذهن.
ثم توفف عن التخيل للحظات تهدئ فيها ذهنك ثم تعود للتخيل، وهكذا تراوح بين فترات من التخيل وأخرى تهديء فيها ذهنك.
ونتيجة لهذا التدريب يصبح الذهن أكثر صفاء ووضوحا وهدوءا وأكثر وعيا وتركيزا وتنمي بذلك القدرة على مساعدة الآخرين بطرق لا حصر لها على نحو مباشر أو غير ذلك.
المسوى الثالث
التدرب على البوديتشيتا – أي الذود فعلهم تهن الذي يتوق للاستنارة – أو ذهن الاستنارة
يبدو التدرب على الاستنارة مثل السحر. فهي تتطلب التعامل مع الناس وكأنهم مستنيرين. وعندما تعاملالناس على هذا الاساس نجد ان ردود فعلهم تصبح أكثر إيجابية ويظهرون على أنهم أكثر ثقة وهدوءا. فأنت تتصرف مع الناس على أساس أقصى مكنوناتهم الإيجابية وبالتالي تكون ردود فعلهم كذلك بناء على أفضل ما لديهم من قدرات.
وهناك نوعان من البوديتشيتا. في النوع الأول وهو المطلق وهي البصيرة التي تنظر مباشرة في طبيعة الذهن أو التي يعبر عنها أيضا بالذهن المستنير المطلق. حيث لا يوجد فرق بين الذات والآخر. حيث ندرك الآخرين تلقائيا على أنهم الطبيعو النقية الكاملة – ويطلق عليها أيضا طبيعة بوذا. وهذا يتطلب الكثير من التدريب وقلة من الناس وصلوا لهذه المرحلة. فلنتدرب ونتدرب ونتدرب…
ويمثل النوع الثاني من البوديتشيتا الوابق السفلية والتي من الضروري المرور بها للوصول للطابق العلوي.وهي تتضمن مظهرين: التوق والتطبيق. والتوق للبوديتشيتا يتضمن تنمية الرغبة الصادقة والمخلصة في أن تساعد جميع الناس في الوصول لمرحلة الاستنارة. ونبدأ بذلك بأن نقول في أنفسنا: ليتني أصل للاستنارة الكاملة لآخذ بيد جميع الناس إليها. وهنا يكون التركيز على ثمار ونتائج التدرب. وغاية ومنتهى الطريق تحرير الناس من المعاناة بأن يدركوا طبيعتهم الجوهرية – الطبيعة خالصة النقاء.
وعند توليد هذا الدافع النبيل برفع أنفسنا وغيرنا لهذا الادراك الكامل يبدأ منظور الثنائية بالاختفاء والتلاشي تدريجيا وتكبر فينا الحكمة والقوة على مساعدة الآخرين. وهناك أساليب كثيرة لتنمية ذلك مثلا بذل الجهد للابتعاد عن السرقة والكذب والغيبة والنميمة والتصرف بأشكال أو التلفظ بما يتسبب بالألم للآخرين أو اثارة الشحناء والتعارك بينهم. والابتهاج لما يحدث للآخرين من خير وسعادة ونجاح بدلا من الغرق في مستنقع الغيرة والحسد
ولا يوجد أعظم من هذا الإلهام والتوق في هذا القصد بالأخذ بيد جميع الكائنات نحو التحرر والرفاه الكامل من خلال ادراك طبيعتهم الحقيقية. وهذه غاية الشجاعة. وحتى لو لم تحقق هذه الغاية النبيلة فإن اخلاص النية في ذلك فيه قوة، فهو سيقوي الذهن وستزول بذلك الابتلاءات والمحن الذهنية من تشويش واضطراب وتصببح أكثر مهارة في مساعدة الآخرين. وتخلق بذلك الشروط والظروف نحو ممزيد من الرفاه في حياتك.