أساسيات التأمل

دردشة: التأمل وضجيج الذهن والعواطف

Written by Dharmabustan

الوعي بعواطفنا وأفكارنا:

 ملخص من دردشة بين مجموعة من معلمي التأمل

(من الأفصل قراءة أساسيات ودروس التأمل الواردة في هذا الموقع قبل قراءة هذه المقالة)

بداية أحب أن أقتبس من كلام المعلم يونغي منغيور رينبوتشي Yongey Mingyur Rinpoche من كتابه بهجة العيش The Joy of Living ” يعتبر التفكير النشاط الطبيعي للذهن، ولا يعني التأمل ايقاف الأفكار، فالتأمل ببساطة هو العملية التي يرتاح فيها الذهن في حالته الطبيعية، وهي الحالة التي يكون فيها الذهن مفتوحا وواعيا بشكل طبيعي للأفكار والعواطف والاحساسات كما تحدث. والذهن مثل النهر لايمكن ايقافه كما لايمكن ايقاف القلب عن الخفقان والرئتين عن التنفس)وهذا لايعني أن  نكون عبيدا لما ينتجه الذهن، عندما لا تفهم طبيعة الأفكار ومصدرها،و عندها تصبح رهينة لها. وعندما أدرك البودا طبيعة ذهنه nature of mind عكس العملية وأظهر لنا كيف نستخدم ونستعمل أفكارنا بدلا أن تستغلنا هي ونصير رهينة وعبيدا لها”.

ويذكر المعلم أنه كلما جلبنا وعينا لأي شيء نقوم به، فإن ذلك النشاط يصبح تأملا.

عند التأمل أو البدء بممارسة التأمل فإننا نبدأ شيئا فشيئا ومع التدرب على التركيز بملاحظة الكم الهائل من الأفكار والعواطف التي تملأ ذهننا وقد يصيبنا احباط أننا لن ننجح في تنمية ممارسة التأمل لأن ذهننا يعج بالكثير من الأفكار ومشحون بكثير من العواطف والانفعالات. لكن على العكس فهذا أمر عظيم! لماذا؟ لأننا بذلك أولا نرفع درجة وعينا بما يدور في أذهاننا وحتى أننا نعي بما نعي به. وثانيا نتعرف على أي الأمور يركز ذهننا وما هي الأمور والأفكار والعواطف التي يعلق بها ذهننا ويبقى ثاتا عليها. فقد يبدو أن ذهننا مشحون غضبا أو حزنا أو أفكار كره الذات أو الأنانية أو الشعور بالفشل أو ربما أنه متشبث بذكرى ولا يريد أن يتخلى عن التفكير بها أو النفور من شخص أو أمر ما ويجعل من ذلك شغله الشاغل..

وكلما ركزنا ومارسنا التأمل، قد نظن أن الأفكار تزداد لكن ما يزداد في الواقع هو وعينا بما يدور في خلدنا من أفكار وعواطف.

وبدلا من الخوف أو الشعور بالضيق نتيجة للكم الهائل من الأفكار التي تتدفق فينا، بدلا من ذلك يمكنا النظر اليها بنظرة ذهن الطفل – أي بوضوح وانتعاش ودهشة –  كما لو أننا في رحلة غوص ونندهش للكم لهائل من الأفكار والعواطف التي تتدفق في ذهننا مثل عالم المحيطات الذي لا يكف عن ادهاشنا، لكن قد يكون ما نراه مؤلما أو حتى دبقا لا يكاد يغادرنا. وهذا قد لا يكون أمرا سهلا. لكن ومع ذلك يمكننا الاسترخاء وأن نكون حاضرين مع هذا الشلال من الأفكار والعواطف وأن نعي به ونراه ينشأ في ذهننا وقد يتلاشى ليولد أفكارا أخرى أو قد يبقى، لكن مع ذلك لا نقاوم أو ننكر ما نجده ونشعر به بل نجلس معها بلطف ونكون واعين بها دون صد وممانعة، فهذا سيسهل الأمر علينا.

 

ويمكننا ملاحظة أثر هذه الأفكار والعواطف على الجسم عندما تنشأ، وهذا يساعدنا على الشعور بها مباشرة من خلال الجسد. وغالبا عندما نضيع في أفكارنا والتي تكون مصحوبة بعواطف معينة يبدوا وكأننا أخذنا في الانزلاق والانحدار خاصة إذا ما رافق ذلك ما نرويه لأنفسنا من قصص مبالغ فيها حول انطباعنا عن أنفسنا والواقع وهذا لا يؤدي إلا لمزيد من الانحدار.

ومن المهم جدا ألا ننكر ما نفكر به أو نشعر به أثناء التأمل وألا نقوم بصده وممانعته أو كبته، لأنه سيعود يراودنا بشكل مضخم لأننا كبتناه. بل نقوم بالسماح بحيز له ومعرفته والوعي به، ونراقبه ونكون حاضرين معه. ولكن لا نضيع ما هذه الأفكار والمشاعر ولا نجعلها تستخوذ علينا، وألا نضيع فيما ننسجه من قصص داخل ذهننا. ومع أننا نعلم أن عمر الفكرة لا يزيد عن ثانيتين قبل أن تتلاشى الا أن تعلقنا بالفكرة سواء لرغبتنا بها أو نفورنا منها، قد يطيل من عمرها ولذلك لنبق حاضرين وواعين ومراقبين حتى لواستمرت تلك العواطف والأفكار برهة من الزمن.

وعند التأمل نختار طريقا وسطا فلا نشد على ذهننا ولا نتركه طليقا مثل الوتر لانشده فينقطع ولا نرخيه فلا يصدر نغمة.

وقد نختار واحدا من الحواس لجعلها متكأ في التأمل، فقد نركز على صوت معين أو ننظر على منظر أو شيء …نختار ما يريحنا التركيز عليه، وعندما نتشتت نعود لذلك الصوت أو المنظر دون الشد على أنفسنا بل بلطف ومحبة. وإذا لاحطنا بأننا تشتتنا، ينبغي ألا نقلق بل نشعر بالسرور لأننا بدأنا نعي أكثر بأنفسنا بل بدأنا نعي بوعينا، ولا ننسى أننا اعتدنا كثير من العادات والانماط السليبة ولفترات طويلة فلا بد من الصبر، وألا نستسلم.

وقد نجد طرق ابداعية في تذكير أنفسنا بالمحافظة على هدوءنا وحضورنا بأن نستخدم التكنولوجيا في ذلك أو القصاصات الملونة …إلخ. ولأننا بطبعنا نعتاد ونألف الأمور من الأفضل تغيير حتى هذه الأساليب الابداعية بين الفترة والأخرى.

ومن المهم ألا نعول الكثير وألا نتوقع الكثير لأنها ان زالت سوف نعاني، فلا نستغرق ونضيع في الأفكار والعواطف، فإذا لم نعد واعين لها وضعنا في دوامة أفكارنا فإننا سنكون في معاناة لأننا لم نعد واعين بما يجري داخلنا.

 

ولا ننسى أن عالم الذهن عالم مثير، ولا نحبط عندما تقل دافعيتنا فكما قال أحد المعلمين الذهن مثل سوق البورصة في صعود وهبوط، وليس من حل سوى الصبر والتلطف مع النفس.

ولا بد من التزام صحبة أو مجتمع يمارس التأمل وتعتاد اللقاء بهم حتى تقوي من تدريبك ومن عزيمتك وتنمي ممارسة التأمل والصفاء الذهني لديك. وحتى تتعهد هذه البذرة الثمينة لتقوى وتثمر.

 

ولا ننسى أن الطبيعة الحقيقية والجوهرية للذهن هي الصفاء والنقاء الخالي من أي شوائب وهو كلي وواسع اساع الفضاء اللامتناهي، ولنعيش التجربة الحقيقية لذهننا، يهون أي بذل أي مجهود.

About the author

Dharmabustan

إ

Leave a Comment