بوذا التاريخي
كلمة البودا تشير إلى بودا التاريخي – بوذا شكياموني والذي كان يعرف قبل ذلك بالأمير سدهارتا Siddhartha والذي وصل للاستنارة وجاء بتعاليمه العظيمة لترشد السالك في المسار الروحاني ليصل للاستنارة.وتشير كلمة البودا أيضا لكل من يصل للاستنارة، فهناك الكثير من البوذات وليس بودا واحد. وتتحدث الدامابادا عن البودا والذي وصل لأعلى مراتب الأرهات والذي لا يعتمد على أحد في التوجيه والارشاد والذي وصل للاستنارة الكاملة خلال الحكمة التي توصل لها بنفسه وهو الذي يعطي الملجأ، وهذا يجعله يجعله في مقام أعلى من الناس العاديين.
ويذكر باندوبادهاي Bandyopadhyay, A. K في كتابه حول الذهن والحالات الذهنية في الدامابادا والباغافادغيتا “Mind and Mental States in the Dammapada and the Bhagavadgītā”روايتان حول تاريخ ميلاد البودا (تؤرخ مدرسة الثيرافادا في الفلسفة البودية عام 623 قبل الميلاد ووفاته عام 543 قبل الميلاد، أما مدرسة الماهايانا فتتؤرخ ذلك 566 – 486) . بعد ثلاثة أشهر من وفاته تم جمع كل تعاليمه في Sutta Piṭaka والتي تضم الدامابادا Dhammapada و Vinaya Pitaka وهي تضم النصوص المتعلقة بقواعد الرهبنة – ثم Abhidhamma Piṭaka (والتي تمثل القاعدة الفلسفية لتعاليم البودا). وتم جمع جميع تعاليم البودا في Sutta Piṭaka في المجلس البودي الأول والذي عقد برعاية الملك Ajātaśatru في مدينة Rajgir بعد ثلاثة أشهر من وفاة البودا. وفي عام 241 قبل الميلاد وفي عهد الملك Aśoka قام ابنه Mahinda بحمل تعاليم الدامابادا إلى سريلانكا، ثم انتقلت الى بورما وتايلاند وكمبوديا، والصين وأفغانستان ووسط آسيا، واليونان والمناطق التي كانت واقعة تحت حكم اليونان بما في ذلك مناطقهم في الشرق الأوسط والأدنى. وقام الراهب Dharmatrata بترجمة الدامابادا إلى السنسكريتية في القرن الاول قبل الميلاد حيث كانت بلغة Pali والتي كان يتكلم بها البودا. وفي المجلس البودي الرابع تحت رعاية الامبراطور Kanishka تم التأكيد على موثوقية ماتم جمعه في المجلس البودي الأول. وتبدأ الأبيات الأولى بالذهن والتأكيد على أهميته وراء كل الأفعال، وهي تؤكد على ضرورة الوصول للنقاء الذهني وضرورة ضبط الأفعال والكلام لتحقيق ذلك. ومن خلال النقاء الذهني ينال المرء السعادة، فاذا تكلم شخص بذهن غير نقي يتبعه الألم وعدم السعادة. ومن الأمور الشائعة أنه عند القيام بفعل أو كلام غير نقي يصاحب ذلك درجة من الندم ويعاني عندها الشخص من تأنيب الضمير.
وتسرد تسولترِم أليوني في كتابها غذي الوحوش داخلك Feeding Your Demons قصة تلك اللحظات التي انطلق فيها البودا في رحلته: “في الليلة التي تسلّل فيها بودا من القصر قبل أن يصبح بودا – وعندما كان آنذاك يُدعى الأمير سدهارتا – للبحث عن أجوبة للأسئلة الروحانية التي تدور في ذهنه، تاركا وراءه زوجته، ومولوده الجديد، ومستقبله كملك، كان أول من واجهته كائنات المارا وهي كائنات تمثل وتجسّد القوى التي في داخله والتي تعيق سيره في الطريق الروحاني وتظهر له على الطريق، وعندما وصل سدهارتا لأعلى التلة، ونظر خلفه وكان ما يزال بإمكانه رؤية القصر تحت ضوء القمر، ومصابيح الزيت تتوهج من خلف النوافذ والشبابيك، كان قد حسم أمره بأن يترك حياته ويسعى للاستنارة ولكن في تلك اللحظة ظهر المارا. وحوّم المارا أمام البودا، وهو يقول له: ” توقف عن السير، يجب عليك أن تعود للقصر، فبعد سبعة أيام سوف تتوّج ملكا على العالم بأجمع.” ورد الأمير سدهارتا عليه: ” أيها المارا، إنني أعرفك، إنني لا أسعى أن أصبح ملكا على هذا العالم، فأنا أسعى وراء الاستنارة وطريق يضمن إنهاء المعاناة الكونية.” وبمجرد إدراك الأمير للمارا، تغلّب عليه. فانسل المارا مبتعدا عنه واختفى في العتمة، بينما استمر سدهارتا في طريقه. لكن المارا كرّر ظهوره في حياة البودا وكثّف من ظهوره خاصة في الليلة التي حقق فيها بودا الاستنارة. وأرى في عبارة سدهارتا ” أيها المارا، إنني أعرفك” فائدة من نوع خاص في فهم أهمية إدراك الوحوش داخلنا، وفي قصة بوذا ظهر المارا على هيئة ظل رجل، لكن مع تطور البودية، أصبح تعريف المارا على أنها عوائق داخلية، مثل جيشان العواطف والكبر، وهذه تحول دون الحصول على الاستنارة الكاملة، وتعتبر القدرة على تحديد المارا (الوحوش داخلنا) الخطوة الأولى في التعامل معها، وإذا لم ندركها ستتغلب علينا دون أن ندركها”.
صباح الوصول للاستنارة:
و جاء الصباح وبعدما جلس البودا طوال الليل وبعد أن وجد طريقا يحرر من المعاناة، تمزق بيت الأوهام، فلا يوجد شعور مزيف بال “ذات ” ولا يوجد أي شيء يسنده، فقد انهدم ولا يمكن بناؤه مرة ثانية.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو ماذا سيفعل الان بهذه التجربة؟ كيف سيشارك الاخرين بها؟ هل سيفهموا ما سيقوله لهم؟
هذه لحظة مثيرة للاهتمام، فهو لم ينهض ويقول “وجدتها”وقيل أيضا بأنه لم لم يكن متأكدا اذا كان الناس سيفهموا ما سيقول أو سيكون لديهم الرغبة في الاستماع اليه.
وان ما اكتشفه كان عكس التيار السائد، وقد كان فكرا ثوريا على المعتقدات السائدة، حتى في أيامنا هذه اذا ما نظرنا الى ما يعتقده الجميع، والفكرتان الرئيستان اللتان جاء بهما هما: 1. لا اله 2. لا وجود لذات أو نفس مستقلة بذاتها
وقال البودا: ان أولئك الذيتن تقويهم وتعززهم الانفعالات والذين يحيطون انفسهم بكتل من العتمة، لا يمكنهم رؤية الحقيقة والتي هي عكس التيار وهي سامية وعميقة ومليئة بالّلطائف و يصعب استيعابها.
7. ماذا حدث بعد وصول بوذا للاستنارة؟ وماالذي علمه البودا؟
قام البودا بالسير لمدة ستة أسابيع، ولم يمكث في بودغايا ( من أكثر المزارات البوذية في الهند قداسة حيث معبد بودغايا في ولاية بيهار الذي الذي تمكن فيه البودا من بلوغ مرحلة الاستنارة الروحية)، ثم تجلى له كائن من عوالم الديفا ( كلمة ديفا تشير للكائنات التي تعيش بالعوالم العليا) وطلب منه أن يدير عجلة الدارما.
وقال له هذا الكائن أن هناك العديد من الناس يسعون بكل اخلاص لمعرفة الحقيقة، و أنه “اذا منحت التعاليم سوف تتحرر كائنات لا يحصى عددها”. وتحرك البودا بدافع رفع المعاناة عن جميع الكائنات وتوجه الى فاراناسي والتي تدعى أيضا بيناريس وعبر نهر الغانج الى متنزه الغزلان حيث العديد من الغزلان تجول هناك، وفي ذلك المكان يلتقي العديد من الساعين وراء الحقيقة والتقى هناك بالبراهمن ( أحد رجال الدين في الهندوسية) وهو الذي قال بنبوءة البودا عند ميلاده (أنه اما سيكون ملكا أو حكيما) وكان هناك أربعة أشخاص أيضا ممن درسوا التنسك معه، وكان يصوم معهم، ولكنهم فقدوا ثقتهم به عندما كسر صومه وبدأ بتناول الطعام، وقرروا ألا يعترفوا به كمعلم لكن عندما اقترب منهم وكان النور يشع منه، وقفوا وانحنوا اجلال له وجعلوه يجلس بينهم، وكان أولئك من أول تلامذته، وعلمهم الحقائق النبيلة الأربعة، والإدارة الأولى لعجلة الدراما.
( من المهم أن نذكر هنا وكما ذكر دزوغتشن بنلوب رينبوتشي Dzogchen Ponlop Rinpoche أنه كما أننا مختلفين كذلك سنكزن مختلفين في شكل الاستنارة الذي نصل له)
من أقوال البودا في اخر سنة له:
في السنة الأخيرة للبودا مرض مرضا شديدا في مكان يدعي فينوغراماكا، لكنه تحمل هذا الألم وكأنه مثل أي شيء اخر غير مؤلم، وكان يظن أنه سوف يموت لكن المجتمع الروحاني من الرهبان الذي أنشأه البودا حوله (السانغا )، ومرافقيه المقربين أظهروا رغبة قوية في أن يبقى البودا حيا وألا يموت، وأظهر هو نفسه رغبة قوية في البقاء على قيد الحياة، وقرر هو نفسه وبإرادته ألا يموت في تلك السنة. وخشي أناندا ( وهو من أكثر المرافقين المقربين والذي ارتحل معه دائما في أسفاره و عاش معه سنوات وسنوات، وكان رفيقه المؤتمن وأخذ عهدا على نفسه عندما أصبح المساعد للبودا بأنه لن يسيء استخدام هذا المنصب في جمع الأموال أو المعلومات) ان البودا سوف يموت، وواسى نفسه بأن البودا لن يرحل دون تقديم تعاليم أخيرة، لكن البودا رد قائلا:
“لكن يا أناندا لقد أمضيت 45 سنة أقدم فيها التعاليم، لتوجيه السانغا، أنا لست واحدا من أولئك الذين يقبضون على التعاليم الهامة بيد من حديد بدافع الغيرة، لقد تجلت تعاليم الدارما، هل علي أن أقرر في اتجاه يتوجب على السانغا أن تسير؟ إذا قمت بذلك فكأنني أقوال ان السانغا تعتمد علي لكن التاتاغاته Tathagata (لقب للبودا بللغة السنسكريتية)لا يفكر بتلك الطريقة، كيف يمكنهم ذلك؟ أنا مثل العربة القديمة التي تشدها مجموعة من الأحزمة، فأنا لا أشعر بالراحة في جسمي الا عندما أوجه تركيزي وأجعله فقط في قلبي، وبدلا من الاعتماد على بعضكم البعض، ينبغي أن يكون كل واحد منكم مثل الجزيرة، وليكن ملجأكم تعاليم الدارما، ومن خلال ممارسة الأساسيات الأربعة للحضور الذهني – تلك هي الطريق. والان أو بعد رحيلي كل من يجعل نفسه جزيرة أو يجعل الدارما جزيرة، سيكون في الصدارة وسط السانغا”.
ما اللغة التي تكلم بها بوذا؟
اللغة التي تكلم بها بوذا هي لغة بالي Pali Language. وبالنسبة للغة السنسكريتية تعتبر من اللغات القديمة وهي لغة هندوارية وهناك لغات هندوارية وسيطة ولهجات محكية أو دارجة كانت منتشرة أيضا ويطلق عليها براكريت Prakrit في تلك الفترة وهي قريبة من اللغة السنسكريتية أو مشتقة منها. وتعتبر لغة بالي ايضا براكريت من تلك اللغات او الهجات المحكية الهندوارية الوسيطة من اللغات الهامة لأنها كانت من اللغات التي استخدمت في أدب تلك الفترة وخاصة في نقل التعاليم البوذية في المرحلة الأولى (الثيرافادا)، وهي كانت ناقلة للتعاليم البوذية في تلك الفترة. ولابد من وجود تشابه بين هذه اللغات لأنها من نفس العائلة، واللغة البالية قريبة من السنسكريتية مثلا كلمة دارما بالسنسكريتية يقابلها داما بلغة بالي. ومثلا الدامابادا وهي جزء من تعاليم بوذا في المرحلة الأولى كانت بلغة بالي. وكما ذكرت كانت هناك لغات لهجات محيكة تتشابه وتختلف. في المملكة التي ولد فيها بوذا كانت اللغة الدارجة هي ماجادي براكريت . عاش بوذا في مملكة ماجادا القديمة Magadha kingdomحيث اللغة السائدة كانت اللغة البالية والتي يطلق عليها البعض اللغة الماجادية. طبعا حسب طبقة البراهمة في ذلك الوقت كان يعتبر تدوين النصوص المقدسة “تدنيسا” وأمرا غير جائزا ولذلك بقي تلقي التعاليم شفهيا حتى تم تدوينها في القرن الثاني قبل الميلاد، ومن الملفت جدا أن بدايات حركة الترجمة للبوذية للغة الصينية كانت على يد مترجمين من ايران خاصة المترجم الايراني سيكو في القرن الثاني ميلادي. وطبعا نعلم أن البوذية كانت واسعة الانتشار في ما كان يسمى بخراسان وهي افغانستتان حاليا وأجزاء من ايران ووسط اسيا.