الجزء الثامن
الحضور الذهني وعيش التجربة الكاملة الآن …كلمات قصيرة
ترجمة وإعداد خلود بركات
المصادر:
- من مقالة المعلم تشوغيام ترونغبا “التأمل: أساسيات الحضور الذهني الأربعة” Meditation: The four Foundations of Mindfulness
- من حديث للمعلم والمترجم الكبير والمتخصص في علم الأعصاب كورتلاند دال Cortland Dahl
يؤكد المعلم ترونغبا أن الحضور الذهني يشكل القاعدة الأساسية للروحانية. وهو يعبّر عن الروحانية بأنها كيفية ارتباط ناوتعاملنا مع وجودنا، أي مع حالتنا الذهنية حتى نكون في وجودنا بشكل صحي في كل لحظة.
الحضور الذهني هو اليقظة وليس المراقبة الآلية لكل شاردة وواردة، ولا يعني أيضا التمسك بحالة الحضور خشية أن تفلت منا فهذا سيسبب مزيد من التشويش والملل. لكن القصد أن نجلب الحضور بلطف لوجودنا لنعيش حالة من الانتعاش الذهني واليقظة، مثلما الفراشة تحط على الزهرة. والحضور السليم والذي يحدث بشكل طبيعي يعزز من ثقتنا أنه بالإمكان التعامل مع الذهن. ويشبّه ترونغبا حالة التذكر الطبيعية وغير المتلكلفة لإيقاظ الذهن وجعله حاضرا مثل الشخص الذي يخطر على باله محبوبه فالموضوع يحدث هكذا بلا تكلف وبكل انتعاش ودون توتر أو جهد مرهق.
يذكر المعلم ترونغبا أن موضوع الحضور الذهني والتأمل سهل جدا، لكن التعبير عنه باللغة وقواعد اللغة يعقد الأمور، فتبدو أصعب مما هي عليه. ويقدم ترونغبا صورة لطيفة في التعبير عن المكوث والسكينة في لحظة الآن، فيعبر عنها بحالة من الزهد في “الماضي” و”المستقبل” أي نزهد بهما فلا نضيع اللحظة الحالية بمطاردة المستقبل والأسى على الماضي. فال”الأنا” لا تكتفي عادة بالأفكار التي يفيض بها الذهن وأحلام اليقظة بل تتشبث بالعواطف بكل الأشكال من عدائية وكِبر وشغف حتى تثبت وجودها لأنها تخشى أن تفقد هويتها بدونها، وهذا جهل. والحضور في الجسم كما مر معنا في الأجزاء السابقة يمثل الأرض التي نسكن عليها فلا تهزنا رياح التغيير وتشتتنا بل تجعلنا نتعامل مع التغيير بمهارة. عند الضياع في أحلام اليقظة وما كنا وما سنكون (وهذه من أشكال استنزاف الطاقة الذهنية)، نفقد أغلى هدية لأذهاننا وهي هدية الانتعاش في اللحظة الحالية والزهد في الماضي والمستقبل والاستثمار في لحظة الآن. وبالنسبة لكورتلاند فنحن نوظف طاقاتنا الذهنية الهائلة ونضيعها في محاربة الواقع أو الاستمرار في تغيير الأشياء لنشعر بالسعادة. لكن عندما نغير أسلوبنا في استخدام طاقتنا الذهنية ونكون حاضرين في كل ما ينشأ داخلنا وحولنا، يتولد الإبداع وتزيد مرونتنا في التعامل مع ما يواجهنا سواء من مصاعب وتحديات أو من أمور سارة فلا نضيع في دواماتها. فكل ما ينشأ لا نواجهه بالانفعال وردود الفعل التي تستهلك طاقتنا بل يصبح وسيلة للفهم الأعمق للأمور، وكسر الأنماط السلبية والهدامة التي اعتدنا عليها، وتغذية الأنماط الصحية والبناءة داخلنا.
ممارسة ذلك في كافة أشكال حياتنا دون أن نشق على أنفسنا ومراقبها مثل الشرطي حتى لا يصبح الموضوع منفرا. فالأصل أن ينتعش الذهن بممارسة الحضور الذهني ويصبح في حالة من اليقظة الطبيعية غير المتكلفة.