سلسلة مبادئ الفلسفة البوذيّة، ببساطة!

لنختار السلام – بما تشودرن

Written by Dharmabustan

لنختار السلام

للمعلمة الروحانية بما تشودرن – معلمة أمريكية معروفة في مجال الفلسفة البودية وممارساتها، وقد كانت من أوائل الراهبات الأمريكيات في السبعينات وكانت من تلاميذ اللاما تشوغيام ترونغبا وقد سلكت طريقا مليئا بالتحديات في طريقها الروحاني وقد آتى هذا ثماره حيث أصبحت مصدر إلهام وتشجيع لمساحة كبيرة من القراء ومن حضروا محاضراتها.

المصدر: 

Choosing Peace BY 

من مجلة Lion’s Roar

 

هناك دائما لحظة عليك أن تختار فيها ما بين السلام أو الصراع. وما تقوم به في تلك اللحظة يعتبر على درجة من الأهمية لنفسك وللآخرين وللعالم أجمع.

إذا أردنا السلام – مع أنفسنا ومع العالم ككل – ينبغي علينا النظر عن قرب لمصدر كل حروبنا. ويبدو غالبا أننا نريد أن “نثأر،” وهو يعني أننا نريد الانتقام لأنفسنا، والأخذ بثأرنا، نريد أن يشعر الآخرون بما شعرنا به، ويطلق على هذا المعاملة بالمثل، لكن في حقيقة الأمر لا يمت هذا بصلة للمثل، فهو في الواقع رد فعل مشحون جدا بالانفعالات.
وتحت كل هذه الأفكار والانفعالات يوجد ذكاؤنا الجوهري وحكمتنا الجوهرية، وهي ما يتمتع به جميعنا ويمكن لنا جميعا الوصول لها، ويمكن لها أن تنمو وتتسع، وأن تصبح في متناولنا، كأداة لصنع السلام وأداة للسعادة لأنفسنا وللآخرين، لكن هذا الذكاء محجوب بانفعالاتنا العاطفية، عندما تتمحور تجاربنا حولنا نحن بدلا من هم، حول الذات بدلا من الآخر – وهذه هي الحرب.
وقد تحدثت دائما عن شنبا shenpa وهو مصطلح من التبت وهو يعبر عن الشنكل الذي في فكرنا وهو يستنفد طاقتنا ويحول دون أن نفتح قلبنا ونستقبل ما يقدمه لنا الآخرون. فعندما نحاول أن نثأر فإننا نغطي ونحجب حكمتنا وذكاءنا بشناكل الانفعالات المتسارعة والمشحونة جدا. فنحن نولد الشنكل تلو الآخر.
وماذا يمكننا فعله حيال ذلك؟ يمكننا القول أن هذه الانفعالات سيئة وأن علينا التخلص منها، لكن هذا سيجلب المزيد من المشاكل فهذا ليس ببعيد عن أسلوب الرد بالمثل مع الآخرين، وفي هذه الحالة يبدو وكأننا نقول أن علينا أن نثأر من أنفسنا وأن نرد بالمثل مع أنفسنا، بالتخلص من انفعالاتنا.
وحيث أن هذا الأسلوب لن ينفع، فإن ما نحتاجه ليس الرفض ولا الخوض في انفعالاتنا بل عوضا عن ذلك التعرف عليها. وبعد ذلك يمكننا تحويل تشويش الانفعالات إلى حكمة. وببسيط العبارة، فإن علينا أن نتحلى بالقدرة وشيئا فشيئا ومع مرور الوقت على على أن نندمج مع طاقتنا بدلا من الانفصال عنها. وينبغي علينا أن نتعلم استخدام الأدوات المتوفرة حتى نحول هذه اللحظة والتي ننشطر فيها إلى اثنين، فهذه اللحظة التي نصبح فيها اثنين منفصلين هي اللحظة التي يتحول فيها السلام إلى حرب وهي تجربة شائعة جدا.
ولنقل أنك في نقاش مع شخص ما، وأنت في تلك اللحظة مندمج في وحدة السياق فأنت منفتح للاستماع وقد أظهرت القبول والاهتمام لكل ما ستسمع، ثم هناك ثمة شيء ما يجرك بعيدا بعض الشيء، شعور بعدم الارتياح في المعدة – والذي لا نلاحظه في العادة – وبعد ذلك تأتي فكرة كبيرة. ففجأة نحدث أنفسنا: ” كيف أبدو هنا؟ هل قلت للتو شيئا غبيا؟ هل أنا سمين جدا؟ كان من الغبي قول ذلك، أليس كذلك؟ وأنا سمين جدا ….”
وتؤدي بعض الأفكار أو غيرها من الأسباب إلى حالة الانفصال والانقسام هذه، حتى إننا لا نعد نسمع الكلمات مع الشخص الذي نتحاور معه، لأننا تقوقعنا في فقاعة من التمحور حول الذات، وهذا هو الانفصال، وهذا هو الانقسام إلى اثنين.
وقد علمنا البودا حول هذا الانفصال الذي يولد وينشئ الثنائية أو الغيرية، موْلد الذات مقابل الآخر، أنا مقابل أنت، وهذا يحدث لحظة بعد لحظة، فعندما نبدأ نكون “واحدا مع”. يكون لدينا شعور بالارتباط والاتحاد، مع أننا قد لا نستخدم هذه الكلمة، فإننا وبكل بساطة، نصغي وحاضرين هناك، لكن بعدها ننفصل! فإننا ننسحب نحو قلقنا واهتماماتنا، أو حتى نشوتنا الخاصة بنا، وبشكل ما لانعد مع بعضنا، فالآن أصبح الأمر حولي أنا وذاتي أنا بدلا من هم والآخرون، وعلى النقيض من ذلك تكون “واحد مع” والذي لا يعني أن الأمر يتمحور حول الآخر أو الذات، مجرد الحضور والانفتاح التام أن نكون هناك معهم.

 

 

إذا كان طريق صانع السلام، هو طريق السعادة، وهو يمثل الانفتاح والترحيب والاستعداد للاستقبال والتناغم، فإن طريق صانع الحرب هو الرغبة في احراز نقاط والثأر والانتقام، حيث الاضطهاد يولد الاضطهاد، والعنف يولد العنف. ولا شيء مستقر، ولا يوجد تساوي، لكن العقل الذي يسعى لإحراز التسوية لا يأخذ ذلك بعين الاعتبار، وعندما تقع في فخ ذلك العقل لأنك مشحون بالانفعالات التي تمر بها في حياتك، فإنك لا تدرك ما تسببه لك هذه الذهنية فعليا وهي القائمة على احراز النقاط والثأر، حتى أنك لا ترى نفسك تقوم بذلك فعليا. وإذا بدأنا بالبحث العميق لأسباب الحروب حول العالم، فإن ذلك سيهز كياننا، فالتفكير في الحروب يستفزنا، ويلزمنا التعامل مع الكثير من الانفعالات العاطفية إذا قمنا بذلك، لأنه وبالرغم من كل التعاليم التي سمعناها، وكل الممارسات والتدريبات التي قمنا بها، فإن رد الفعل المبدئي هو أن نستثار.
وفي القريب العاجل نبدأ بالتركيز على الناس الذين تسببوا بكل ذلك، وعندما نبدأ بذلك يحدث بعض من التوتر ونبدأ برغبة القيام بالتسوية والمعاملة بالمثل – النيل من الشخص السيء وجعله يدفع الثمن، ولكن ماذا لو فكرنا بكل هذه الحروب وقمنا بعمل شيء يثمر السلام؟ حيث تكون النتيجة التواصل من القلب؟ حيث تكون النتيجة معا وليس الانقسام؟
وبشكل ما، قد يعني ذلك القيام بالتسوية، ويعني بالفعل التعادل، ولكن التسوية قد لا تعني ذلك دائما، فهي تعني: “أريد أن يتغلب الطرف الذي أنا معه، وأن يخسر الطرف الآخر، وهم يستحقوا الخسارة جراء لما قاموا به.” والطرف الآخر الذي أريده أن يخسر قد يكون شخصا ما في حياتي، أو حكومة ما، أو نوعا ما أو مجموعة من الناس، فيمكن أن يكون أي شيء أو أي أحد أشير إليه بالإصبع، وأشعر بغضب شديد وأنا أفكر كيف أنهم وراء كل ما حدث، وأريد أن أصل إلى تسوية. وهذا مر طبيعي.
وجميعنا يفعل ذلك، وبينما نفعل ذلك فإننا نقع في مأزق السمسارا (إعادة الميلاد)، ونستخدم طريقة ما حتى نتفهم ألمنا، وحتى نتفهم مشاعر عدم الأمان وعدم وجود أرض نرسو عليها، ونشعر أن الأشياء خارجة عن السيطرة، وأنها بالتأكيد لا تسير كيفما نشاء، وهذه الطريقة في شفاء الحزن والألم والوجع لأن الأمور لا تسير بالشكل الذي نريده وهي ما يطلق عليه دزيغار كونغترل رنبوتشي إخماد النار بصب الكاز عليها.
فإننا نعض على الشنكل (مثل السمكة مع الصنارة) ونصاعد في ردودنا الانفعالية، ونجهر بالقول ونسيء التصرف، فالإرهابي يفجر الباص ثم يأتي الجيش ليقوم ب “تسوية الأمور”. وقد يكون من الأفضل أن نتريث بعض الشيء ونتأمل كيف وصل الإرهابيون إلى تلك المرحلة حيث امتلئوا بالكره الشديد لدرجة تفجير الحافلة ومن فيها من أناس بريئين، هل حقا تمت التسوية؟ أو أن السبب الذي أدى لتفجير الحافلة بداية بدأ بالتصعيد الان؟ ولتنظر إلى دائرة حياتك وتجاربك الخاصة بك، وانظر إذا ما كنت تفعل ذات الشيء: تحاول “تسوية” الأمور؟

 

يقول الدالاي لاما بأنه يعزز أسلوب اللاعنف ونبذ العدائية تجاه الاحتلال الصيني للتبت، وهو يتبنى هذا الأسلوب لأنه يرى أن العنف يخلق سخطا ونقمة داخل الآخرين، ويعتبر هذا ذكاء أساسيا فالذكاء الأساسي يدرك أن السخط الذي ينشأ عن رد الفعل العدائي من خلال “تسوية” الأمور، سيكون سببا للصراعات المستقبلية.
ويمكننا أن نستخدم ذكاءنا في استغلال قدرة الآخرين حتى نجعلهم يعضوا على الشنكل (مثل السمكة مع الصنارة)، فإذا نظرنا للإعلانات التجارية، فإن القائمين عليها يدركوا ذلك فيجعلونا نشتري الأشياء، واذا أردت أن تتحاذق وتتصرف بدهاء، يمكنك التلاعب واستغلال هؤلاء القائمين على الدعاية حتى نقوم بالتسوية، ويمكنك تشجيعهم على الشروع بالانتقام في كل مكان، حتى تتسع دائرة أعدائهم، وبإمكانك جعل الناس يكرهونهم أكثر، يمكن أن يكون البشر على هذه الدرجة من الذكاء بأن يتلاعبوا بمصادر الثراء للوصول إلى تسوية حتى يحاولوا الوصول إلى تسوية. هناك أناس يقوموا بذلك، لكن أين يمكن أيوصلنا ذلك؟
يمكننا توظيف ذلك الذكاء ذاته لندرك أن العدائية تولد العدائية وأنه إذا رغبنا بالفعل في تحقيق السلام والسعادة والانسجام، فلابد من طريقة أخرى لتسوية الأمور، وذلك ما قاله مارتن لوثر كنغ جي آر في الخطاب الذي ألقاه عند تسلمه جائزة نوبل للسلام، علينا أن نجد طريقة للتغلب على الظلم والعنف دون اللجوء للظلم والعنف. وكما تعلمون لقد كان متحمسا جدا لأفكاره وكان له سحره على الجماهير، فالتف الكثير من الناس حوله، ويعتبر غاندي أيضا مثالا على القيام بالتسوية وعلى مستوى رفيع، وهذه أمثلة على أشخاص مشهورين ولكن هناك نساء ورجال – كالأبطال – ولكن أحدا لم يتغن بهم، وفي كل أنحاء العالم يعملون بهذه الطريقة لتخفيف المعاناة، وهؤلاء رجال ونساء أحبهم وأحترمهم وهم أمثلة أحتـذي بهم وهم يمثلوا التصوّر البوذي في الوصول ل “لتسوية” (حتى وان لم يكونوا بوذيين).
عندما يحدث لنا شيء مؤلم – سواء كانت إهانة أو ألما جسميا أو فقدان من يعز علينا ممن نحب – فإن التعاليم البوذية تدربنا على أن نفهم أننا مُنحنا فرصة في دفع دَين الكارما، وهذ ا شكل من أشكال الحديث عن التسوية، وهذه النظرة والتي ينطلق منها الدالاي لاما، وأستطيع القول بأنها هي ذات النظرة التي انطلق منها مارتن لوثر كنغ، جي آر. وكذلك بالنسبة العديد من الناس والذين لا يطلقوا على أنفسهم بوذيين، ولكنهم يؤمنوا باللاعنف، وإيجاد الحلول للظلم دون أن تتسبب هذه الحلول بالظلم أيضا.

 

 

About the author

Dharmabustan

إ

Leave a Comment