في توضيح مفاهيم أساسيّة حول الذهن وصفائه
ترجمة وإعداد خلود بركات
في هذا الجزء من ساسلة تعاليم الفلسفة البوذية سوف أبدأ بتوضيح المفاهيم الأساسية بالرجوع للمعنى السنسكريتي والتبتي للمفهوم. وسأبدا بمفهوم الذهن:
الذهن སེམས། باللغة التبتية (يُلفَظ سِمْ) وبالسنسكريتية تشِتّا Citta
يشير المفهوم التبتي للذهن على أنه كافة مستويات الوعي التي يُحدَِدها ويقيدها التشويش والاضطراب الذهني الناشيء عن الأنا أو الإيغو. فالذهن في طبيعته الأصلية نقي وغير محدود.
مُقدّمة
مع أنني بداية استعنت بسوترات اليوغا في توضيح معنى الذهن، أرغب بتوضيح أمر هام وهو أنه من الضروري عدم الخلط بين الهندوسية والبوذية. فالهندوسية توضح أنه في نهاية المطاف تتصل النفس بعد الوصول لحالة النقاء بالخالق لكن في البوذية يصل الفرد للاستنارة عندما يصبح وعيه في حالة عالية من الصفاء والنقاء ويصير على اتصال مع طبيعته النقية الأصلية بشكل دائم.
يقول المعلم التبتي القدير لاما يِشِي Lama Yeshe: ” عندما ندرس البوذية فإننا ندرس طبيعة أذهاننا، وهي تؤكد على المعرفة والحكمة بشكل عملي وتجريبي، فبدلا من أن تركز على كائن علوي فإنها تتسم بطبيعة عملية في كيفية العيش السليم والحياة بشكل صحي. بدلا من النظرة الدوغماتية أي الجمود والتعصب الفكري والعقائدي. ونحن لا نعتبر البوذية على أنها دين بالمعنى المتعارف عليه فمن منظور المعلمين الكبار تُعتبر تعاليم البوذية أقرب منها للفلسفة أو العلم أو علم النفس.
والانسان في الشرق أو الغرب بغريزته يسعى من أجل السعادة، لكن إذا دفعك السعي وراء السعادة إلى تصبح متعلقا عاطفيا بالعالم المادي ففي ذلك خطورة لأنك حينها تفتقر للانضباط والسيطرة على ذهنك. والانضباط لا يقتصر على البوذية أو الفلسفات الشرقية. تنظر الفلسفة البوذية إلى الذهن المتعلق بالأشياء على أنه ذهن غير صحي ومريض. عندما تدرس البوذية، تتعلّم من أنت وتصل إلى فهم عميق حول من أنت وما حولك من ظواهر، وكيف تنمو وتتطور فهي ليست نظام عقائدي يتمحور حول كائن سماوي أو علوي.
وسواء أكنت متدينا أو مؤمنا أو ملحدا، من الضروري أن تعرف ذهنك وكيف يعمل. وعدم معرفتنا بطبيعة أذهاننا يجعل حياتنا أكثر صعوبة.”
الذهن وعناصره:
وتنظر سوترات اليوغا إلى الموضوع كما يلي وهي تتفق بذلك مع المفهوم البوذي: “يُعْتَبَر تركيز الانتباه أمر هام في جميع المعارف، خاصة في الروحانيات لأنها تتضمن أمور فلسفية دقيقة وحسّاسة.
تشيتّا Citta وهي كلمة سنسكريتية تشير إلى الذهن حيث الإدراك والمُلاحظة وهي تضُم الوعي والعقل الباطن واللاوعي. والذهن يشير الى العلاقه بين الرّائي الناظر (أي الفاعل) والمنظور إليه أو المرئي (إي المفعول به) ضمن أي من الحواس. والأصل في الذهن أنه كُلِّي الوجود إلا أنه يصير مُحدّد ومُقيّد بسبب ارتباطه بال “أنا” أو الإيغو.
يضم الذهن ثلاثة وظائف: الأولى Manas والثانية Budhi والثالثة Ahamkara
Manas ترتبط بوظائف الحواس و بواسطة هذه المَلَكة يتصل الفرد مع الأشياء الخارجية
Budhi هذه المَلَكة ترتبط بمعنيين: مَلَكَة التمييز في الذهن، فهو يحصل على الانطباعات من خلال Manas ويقوم بعمل مقارنات وتصنيفات لهذه الانطباعات بأن تُخزَن لتسهيل إمكانية الوصول إليها لاحقا. من وين مرادفات كلمه Budhi كلمة ماهات mahat ( مثل ماهاتما غاندي ) وهي تستخدم جيل واحترام للأفراد المتطورين روحانياً.
Ahamkara الأنا التي تجعلنا نظن ونتوهم بأننا منفصلين عن غيرنا من الكائنات أو عناصر الوجود. وهي تسجل ما نحصل عليه من انطباعات من Manas و Budhi على انها مِلك لها فهي تجمع ما نحصل عليه من أفكار وانطباعات لتشكل ذهن الفرد . مثال: نعلم أن الحيوانات تقوم بالتبول عند الاشجار لكي تحدد منطقتها او اراضيها. الاشجار موجوده دائما ولم تكن ملك أحد من قبل. وهكذا الانا مثل الحيوانات التي تُحدد أماكنها في الغابه لأنها عندما تضيف رائحتها تحت الأشجار، تشعر وكأنها صارت لها، وهكذا الأنا ترسم الحدود وتعز ِّزها، وتنفر مما يهدِّدها وما لا يسرُّها.
تنشأ المعاناة على مستوى الإيغو ومن هنا تنشأ المعاناة، وهي تضم الالتوقعات والمعاناة والآمال والمخاوف والشهوات والغضب والمخاوف والغيرة والحسد وعدم الأمان. لكنها أيضا تمر بتجارب الحب والإيثار والاهتمام والرأفة. لكن الأنا تحول بيننا وبين إدراك purusha أي الإدراك النقي.
وهنا يأتي دور الرياضات الروحانية مثل التأمل زالتدريبات الذهنية و اليوغا التي تعلمنا وتُدربنا ليس على التخلُّص من الأنا بل من الأنانيّة التي تلوثها.
لكن حتى الأنا النظيفة التي اختفت منها الصفات السلبية تبقى محددة باحساس الانفصال، ولذلك فإن شرط الاستنارة هو السُّمو فوق الإيغو أي أن نبدأ بتحديد هويتنا مع الوعي النقي بدلا مما يطرأ على الجسم والذهن من آلام أو أفكار أو مشاعر.
Vritti تُمثل حركة الذهن وهي حركة دائبة لا تتوقف مثل شعور الدوّار وهي تحدث في المستوى الواعي وغير الواعي في الذهن. وهي محاولة الذهن تفسير ما يمر به من تجارب وفهمنا وادراكنا لمن نحن والعالم الذي نعيش فيه.
دراما الذهن
من الأمور التي تؤدي الى أن بحدد الذهن هويته بما يمر به من تجارب ومشاعر:
1.الجهل هو عدم الوعي ونسيان طبيعتنا الأصلية،
2. الإيغو أو الأنا،
3. العادات التي اعتادها الذهن وهي حدث عندما يُعرِّف الذهن الواقع بناء على “انطباعاته” وهذا يشبه تأثير الكحول على قدرتنا على التمييز فالجهل كذلك. عندما يتحرك الذهن بما فيه من افكاروالتي كلّما تجمَّعت تصير مثل النوتات الموسيقيه التي تحرِّكنا عندما تصبح اغنيه أو سمفونية وكذلك الافكار عندما يُصبح لها زخم فهي تحرِّكنا أيضا.
يُمكن تلخيص الحياة الروحانية بأنها: “تهدئه الحركه الدائمه والدائبه في الذهن حتى يتخلَّص الذهن من تحديد هويته بما يمر به من تجارب وانطباعات وهذا ما ما يحول بيننا وبين التجربة النقية للذهن.
فالذهن حركة دائمة ونشاط دائم من انتباه لفكرة ثم لأخرى وبين الاعتقادات الخاطئة والصحيحة والذكريات:
مثال لما يدور في أذهاننا في فترة زمنية قصيرة:
الباذنجان لذيذ لكنه يؤذي المفاصل، لا توجد معلومات عن الباذنجان في الانترنت … ما هذا الصوت؟ ظهري يؤلمني.. احتاج لكن ليس لدي مال كافي، عمل الصلصة … ابحث عن وظيفة جديدة …حان موعد الغداء … الظروف الاقتصادية صعبة الآن…
فلنكن مثل العنكبوت الذي لا يقع في فخ شباكه فلا نقع في فخ شباك الأفكار والأوهام والذكريات. فلنعيش تجربة الوضوح والدهشة التي يعيشها الطفل، فمثلا قبل أن يُقدّم له مهروس الموز لأول مرّة، لم يكن في ذهنه طعم حلو أو لون أصفر بل الفضول والدهشة عندما عرف طبيعة الموز أول مرة! القطة تنظر لعصفور صغير على الشجرة على أنه وجبة لذيذة (هكذها صنّفه ذهنها) لكنها تنظر للنسر المُحلِّق على أنه تهديد وخطر فتختبئ منه. وهذا التصنيف لا يجعلها ترى الحقيقة كما هي: هذا عصفور وهذا نسر. المشكلة هنا ليس التصنيف بحد ذاته بل تحديد هوية الأشياء والذي مصدره الجهل. فلا ترى الواقع كما هو.
مثلا يحدث هذا عندما نضع أبناء دين أو عرق معين ضمن انطباع محدد ولا ننظر إليهم ببساطة على أنهم مجرّد بشر. وهكذا فإن Vritti تزوِّدنا بنظرة محدده وضيقة للوجود لكن للأسف فإن هذه الطريقة التي نُسقِط عليها مفهومنا لواقع الأشياء والأحداث.”
المصادر:
Becoming Your Own Therapist for Lama Yeshe
Inside the Yoga Sutras for Reverend Jaganath Carrera
the Tsadra dictionary resources: Christian Steiner dictionary