كتابة : لؤي خضر ( كارما بالدن داوا )
عندما نتحدث عن التغيير فالكثير يتحمس باعتقاده أن الظروف المحيطة بنا قد تتغير بلمح البصر بوصفة سحرية، أو بطريقة ما هو لا يدركها وبالتالي يعاني ويبحث أو يجهد لتغيير الظروف المحيطة به كليا كي تصبح مناسبة لما يهوى ويحب، وبالتأكيد أن هذه النظرة خاطئة وهذا ليس رأي شخصي إنما الحياة وظروفها واختلاف أهداف الأفراد هي مايثبت ذلك.
عندما يجلس شخصان في نفس المكان في الطبيعة لنفترض على إطلالة بحرية جميلة، فإن أحدهما يقول إن هذا المشهد متكرر وممل
أما الآخر فإنه يلاحظ تفاصيل انعكاس الشمس على ماء البحر، شكل الغيوم، لون البحر واختلافه حسب توقيت النهار وتبدل الفصول. إن كلا الشخصين يجلس في نفس المكان ولكن ماهو الشيء الغريب؟ لماذا هما مختلفان؟ بالرغم أنه ربما يكونان إخوة أي أنهما خضعا لنفس التربية والمسار الذي يتعلق بذاكرتها البصرية؟
إن ما يصنع الاختلاف هنا هو ( وجهة النظر ) لكل منهما، أحدهما يبدو أنه يلاحظ ما يدور فعلا حوله ( الآن ) فيستمتع بالطبيعة التي يجلس في أحضانها وأما الآخر فإنه يسعى لإنجاز شيء ما.
إن هذا الإنجاز الذي يسعى له الفرد الذي لم يستمتع بما هو محاط به ليس من الضروري أن يكون هاما، ولكنه يعبر عن انتقال عقله بلا جدوى في مواضيع الحياة المختلفة. في جلسة جميلة ولطيفة وإطلالة بحرية قد تكون حلما للكثيرين. بعد التمتع بهذه جلسة يمكن إنجاز مهام الحياة، حتى ولو كانت ضرورية، أو بالأحرى حتى لو كنا نواجه المشكلات في حياتنا اليومية، فإن جلسة من هذا النوع تعيد شحننا بالطاقة اللازمة وتعيد لأذهاننا الصفاء اللازم لمواجهة مشكلات الحياة.
إن الصورة السابقة أو المثال الذي ضربته هو واقعي جدا فليس منا أحد لم يمر بخلاف مع أحدهم ممن يسعون لإفساد الأوقات واللحظات الممتعة، ولكن .. يبقى السؤال كيف يصنع الانسان الفرق وكيف يحول نظرته التسارعية للأشياء والتي قد تطلق أحكام غير دقيقة وغير صحيحة إلى نظرة واقعية تجعله يرى فعلا ماهو محاط به؟ ليس على مستوى جمال الطبيعة فحسب، بل على مستوى أكثر تعقيدا. فالكثيرون يقعون بمشكلات بسيطة الحل أو بصورة أوضح تحتاج ان يرون ما هم محاطون به من أساليب مساعدة لحل هذه المشكلات ولكن لا يستطيعون ذلك بسبب تلك النظرة المتسارعة.
فعند النظر لحل أي مشكلة يا إخوتي لا بد أن ننظر إلى سبب المشكلة. فما أطلقت عليه اسم ( النظرة التسارعية ) للأشياء أو للحياة، يسمى في الفلسفة البوذية ب ( الذهن القرد ) أو قد اعتاد الكثير من المعلمين توصيفه بهذه الطريقة او بهذا المصطلح.
إن ما يصنع هذه النظرة عند الإنسان هي الظروف المحيطة به وأن هذه الظروف المحيطة ناتجة عن عدم نظرة صحيحة وعميقة للحياة فيعتقد الإنسان أن عليه إنجاز المهام بسرعة وإلا سيفقد شيئ ما.
ومن هنا يمكننا التكلم عن التأمل ودوره في تهدئة الذهن فقد عرف التأمل عبر آلاف السنين بقدرته الفريدة على موازنة الذهن فهو أداة لا يمكن فهم الحياة بدونها. وهي ليست من الكماليات كما هو مشاع. فالإنسان لديه طبيعة كاملة، وفكر غير محدود، تتم قولبته وتحجيمه من قبل المجتمعات والأديان والمؤسسات الإعلامية وغيرها.
فبالتالي كي يتحرر الإنسان من كل هذه الأدلجة والبرمجة التي وقع فيها فكره، أو تورط فيها إن صح التعبير، عليه إعادة فكره الى نقطة الولادة أو اصطلاحا كما في بعض الفلسفات ( نقطة الموت )، حيث يتوقف في هذه الحالة الفكر عن إنشاء أو اجترار الأفكار والمشاعر والثرثرة بما فيه فائدة أو لا. ويتم توجيه الذهن تدريجيا نحو مايجلب النفع لنا وللآخرين على حد سواء عبر عملية تراكمية تسمى التأمل.
وهي عملية بسيطة يجلس فيها الشخص بشكل مريح مستقيم الظهر يركز على تهدئة الذهن وتسرع الأفكار، أو مراقبة تلك الأفكار فقط حتى تتلاشى. يشبّه الكثيرون من المتمرسين في فن التأمل حكمة الإنسان وبصيرته بالسماء الواسعة والأفكار التي تظهر بالغيوم، فما علينا هو مراقبة الغيوم و الأفكار دون التدخل بتشكيلها او مسارها أو الانخراط بتحليلها، فجل مشاكل الانسان هي بالتعلق بالأفكار العابرة والتي تتغير وتتبدل مع الظروف.
تبدأ جلسة التأمل باختيار المكان الهادئ المناسب النظيف والجلوس بشكل مريح، ويفضل أن نبقي أعيننا مفتوحة مستريحة بانتباه ثابتة في منطقة واحدة مراقبين أفكارنا كالسحب حتى تتلاشى متيحة لنا المجال لرؤية سعة وآفاق بصيرتنا اللامحدودة غير متعلقين بأنانيتنا وأهدافنا المحدودة، علينا أن نجرب ذلك وأن نبحث عنه وان نصنع تجربتنا الشخصية.