الدرس الرابع
التأمل على شيء مرئي
ويمكن التأمل على الأشياء المرئية أي توظيف العين في ممارسة التأمل وتهدئة الذهن، فالعين ترى اللون والشكل … إلخ ويمكن للنظر أن يشكل دعامة للتأمل على شرط أن ننظر بالعين والذهن معا. فمثلا يمكن أن ننظر لوردة أو حجر أو لون ما. وطبعا لن نتمكن من اطالة النظر بالعين مع التركيز الذهني لفترة طويلة فللذلك كلما تشتتنا ونسينا نعود ونركز ثانية وكما ذكرت دون تشديد على النفس فتمل وتتعب، فليس هذا هو الغرض أبدا.
تمرين
- حدد شيئا للتأمل عليه
- انظر بعينيك وذهنك
- يمكن بداية النظر مدة 20 ثانية فقط
- تأكد هل ينظر ذهنك للما اخترت التأمل عليه أم أنه انسل بعيدا في أمور أحرى ( ماذا ساكل بعد قليل، ماذا سأرتدي للحفلة، هل سيتصل بي فلان، كيف سأستيقظ غدا مبكرا…..إلخ.
- ونقصد هنا بالتركيز أن يعرف الذهن ويعي لما ينظر اليه وليس التركيز الشديد في جميع التفاصيل.
- ثم نتأمل دون التركيز على أي شيء
- ثم نعود للشيء الذي كنا ننظر اليه وهكذا.
وينصح للمبتدئين أن وأي أحد يريد أن يحسن من ممارسته للتأمل أن يتأمل لفترات قصيرة عددا من المرات ومع الزمن والتدريب المستمر تقوى عضلة التأمل ويقوى الذهن ويتحسن التركيز ونصل بالتدريج للصفاء الذهني.
التأمل على الصوت
يمكن أن نقبل الصوت كدعامة للتأمل، وبذلك لا يعد الضجيج يعكر صفو تأملنا، ولنا أن نتخيل كيف أنه ومع الوقت لا يعد شيء يكدر صفاء ذهننا أو ممارستنا للتأمل:
تمرين
- نختر صوتا مثلا خرير الماء، أو صوت الة موسيقية ما …
- نتأمل على الصوت بأن نسمع بأذننا وذهنا معا
- نسمح لذهننا وجسدنا بالاسترخاء
- نفتح اذاننا ونستمع ببساطة وذلك بأن نعرف الصوت ونعي به ولا نركز بشدة أو نحاول التركيز على أدق تفاصيل الصوت.
- بداية قد نستمع لعدة ثواني ثم يتشتت تركيزنا، لكن نعود بلطف وهدوء دون شعور بالذنب لأننا تشتتنا حتى لو لبضعة ثواني.
- ثم نتأمل دون التركيز على أي شيء
- ثم نعود بتركيزنا على الصوت
- ثم نتأمل دون التركيز على أي شيء
الدرس الخامس
التأمل على الأفكار
التأمل على الأفكار أي التأمل على أفكارنا التي لا تهدأ مثل قرد مجنون. يذكر المعلم منغيور كيف أنه كان يعاني في صغره من الخوف والقلق والهلع، وكانت الأفكار المزعجة تبدو وكأنها حقيقية وقوية.
وكما ذكرنا في السابق يمكننا أن نحول المشاكل والعوائق إلى دعم لنا. وعلى سبيل المثال تخيل أن هناك عصابة ضدك ولديك حراسا يقوموا بحمايتك، تخيل كيف سيكون الأمر لو أن أفراد العصابة صاروا دعما وحماة لك؟ بالتأكيد سوف تصبح أقوى ولن تعد هناك عوائق أمامك.
وهكذا يمكننا أن نحول القرد المجنون في رؤوسنا إلى حكمة،و مثلما تأملنا على الأشياء المرئية أو الأشكال (مثل زهرة أو حجر أو شمعة) والأصوات والروائح والأطعمة والاحساسات الجسدية كذلك يمكن التأمل على الأفكار وجعل الضجيج الذهني يتحول إلى تأمل ويصبح مصدرت للهدوء والصفاء.
والقرد المجنون يتنطط في أذهاننا ونحن نريد الهدوء والسلام، فماذا نفعل؟ أمامنا 3 خيارات: إما ان ننقاد وراء القرد ونصبح أسرى لهذا القرد المجنون فنركض حيث يركض بنا ونضيع في شلال الأفكار ونشعر بالانهاك ونفقد الكثير من طاقتنا. والخيار الثاني أن نكره هذا القرد ونكره أفكارنا التي تعكر صفونا ونحابه ونحاربها، ولكن هذا سيجعل الأفكار أقوى بكثير ولن يؤدي إلا لمزيد من المشاعر السلبية، والخيار الثالث أ، نجعل من القرد دعما للتأمل بأن نراقبه ونعي به ونتمتع بالحضور فلا ننقاد وراءه ونضيع في تيار الأفكار، ولا نحاربه فيزداد قوة وينهكنا بل نعي به – فعندها نكون هادئين وحاضرين في اللحظة، وفي مركزنا.
ومثل حبات السبحة تتبع العواطف الأفكار، ما علينا سوى أن ننظر إليها ونراقبها مثلما نسير بالقرب من النهر فنكون واعين به لكن عندما نقفز في النهر فعندها نكون فيه ونضيع فيه وكذلك نضيع في تيار الأفكار.
وعندما ننظر للأفكار والعواطف لا نعود ضائعين فيها ومنغمسين فيها ولا تعد تسيطر علينا، وهذه قوة الوعي والحضور. لكن إذا شعرت أنك لا تستطيع مراقبة الأفكار وكأنها تحتفي عند ملاحظتها فلا تنساق وراءها لتطاردها وتمسك بها. على العكس عندما تجد أن الأفكار تختفي عند الوعي بها فإن هذا يعتبر تأملا بلا دعامة وبلا شيء للتأمل عليه وهذا شكل ممتاز من التأمل. وعندها يتحرر القرد المجنون ونصير في سلام وصفاء.
الدرس السادس
التامل على العواطف
تماما مثلما تأملنا سابقا على الأفكار والذهن المشوش مثل القرد المجنون monkey mind، سنتأمل على العواطف مثل الخوف، والقلق، وحتى الخوف من الأخطاء البسيطة و الهلع ومشاعر الذنب والشعور بعدم ارتباط مع الاخرين …إلخ.
والعواطف مثل الأفكار قد تبدو حقيقية وقوية.
وكما ذكرنا سابقا يمكن تحويل الذهن المشوش إلى حكمة باتخاذ ما يشوشه دعامة للتأمل، فنتخذ من الأشكال والأصوات والروائح والمذاقات والاحساسات الجسدية دعما لتأملنا ونحولها إلى حالة تأمل مثل التأمل على الطعام أو الجسد أو التأمل على الصوت، وكذلك التأمل على العواطف، والتأمل حتى على الألم.
ويمكن التأمل على العواطف المدمرة كدعامة للتأمل، وسنتأمل على العاطفة نفسها وليس الشخص الذي تسبب بهذه العاطفة لكن إذا تذكرنا الكلام المرافق لهذه العاطفة أو الشخص الذي تسبب بذلك لا نحاول الهروب من ذلك أو صده في ذهننا ، ولنأخذ مثلا عاطفة قوية مثل الغضب والتي تبدو وكأنها نار تحرق، مع خفقان القلب وربما التعرض أيضا، ويصاحب مثل هذه العاطفة شد في الصدر وعضلات الجسم، وربما صداع وربما خدر وشعور بحرارة عالية ومن الضروري أن نكون واعين بأي شكل من أشكال عدم الارتياح في جسمنا أو في داخلنا.
ولا ينبغي أن ننظر لهذه العواطف على أنها عدو لنا أو نحاول ايقافها أو إعاقتها.
وإذا أخذنا على سبيل المثال الاكتئاب فهو كألم في الذهن وتعب وفقدان للالهام، ويمكن هنا حتى أن تتخذ من الاكتئاب دعما للتأمل، وحتى الهلع وفقدان اخترام الذات، يمكننا التأمل عليها جميعا، أو مشاعر الألم لفقدان الوظيفة أو الأفكار السلبية باننا سيئين أو أن لا أحد يحبنا.
ومع انه من الضروري عدم القلق لكننا لا نعني بذلك عدم المبالاة.
ويمكننا البدء بالتدرب من خلال التركيز على العواطف غير القوية أي ليست تلك العواطف التي عانينا منها منذ فترة طويلة، ونبدأ بالتركيز عليها لفترة قصيرة ولكن بشكل متكرر، وهكذا سيسهل علينا. حتى لو كانت البداية 10 دقائق فمع الاستمرار والتدريب يصبح من السهل التدرب لفترة أطول.
وبذلك يصبح الذهن مرتاحا ويبجث في الحلول بسلام ذهني.
تمرين: تأمل لفترة قصيرة ولكن استمر بذلك بشكل متكرر ومنتظم ويومي:
- أولا نريح الجسم كما ذكرنا سابقا: العضلات والحفاظ على استقامة العمود الفقري …إلخ.
- التأمل دون التركيز على شيء (أي التأمل بوعي في الفضاء المتسع في الذهن … والوعي بكل ما حولنا
- اختيار عاطفة للتركيز عليها (وكما ذكرت ينبغي ألا تكون العاطفة عنيفة وانما نختار عاطفة أقل شدة وهذا سيساعد في تخفيف حدة الانهماك في العاطفة الأشد
- ثم التأمل دون التركيز على شيء
ربما لا تشعر بمشاعر لطيفة بعد ذلك وهذا أمر عادي لأنك في مرحلة لالاستعداد لمثل هذا النوع من الـامل، ومع الاستمرار في التدريب ستصبح في حالة وعي وتأمل حتى في حياتك اليومية وحتى في وسط المشاكل.
وينصح هنا ألا نرفع سقف التوقعات عاليا ونظن أن كل المشاعر المؤلمة ستزول
لكن بملاحظة العواطف والمشاعر المختلفة فاننا لا نعد رهانا لها لأننا ننظر اليها ونراقبها، ولا نعد مستغرقين وضائعين فيها.
هناك ملاحظتين هامتين جدا هنا:
- عندما نبحث أحيانا على العاطفة لا نجدها وكأنها تتبخر أو تصبح ضبابية أو مثل الفقاعات، فلا تشعر بالاحباط إذا بخثت عن العاطفة ولم تجدها أو اذا ظهرت غير واضحة، فهذه اشارة جيدة. وهي عندما تذوب، نرى وعينا الذي بلا حدود زمنية، مشاعر بالانتعاش والوضوح والهدوء والسلام.
- قد تلاحظ أن المشاعر المؤلمة ليست بتلك الدرجة من الألم، وهذا أمر جيد أيضا لكن بالنسبة للبعض فإن التأمل على المشاعر المؤلمة قد يجعلها تبدو أكبر وهذا أمر جيد أيضا فإن هذا يجعلك تعي بالمشكلة وانك منفصل عنها ولست ضائعا فيها فأنت تعرفها الان وتعي بها، وهذه مرحلة في الطرق إلى التخلص منها.
وهكذا فإن أي شيء يزعجنا سواء مرئي أو مسموع أو محسوس …ألخ، يمكن أن يصبح أو يشكل دعما لتأملنا فلا نحاول أن نعيقه بل نتقبله ونتأمل عليه حتى نتمتع بصفاء ذهني ونتعامل معه ونجد له الحلول
خاتمة
الان ومع التدرب صار عندنا بعض التجربة من السلام والبهجة، وما ان تدخل في الحياة لمساعدة الاخرين فانك سترغب في مساعدة الاخرين ونقل تجربة السلام والمتعة لهم، لكن من الضروري التوازن في ذلك لأنه من المستحيل ان تنفع الجميع بنسبة 100% وأن تشد على نفسك في ذلك، وكذلك ينبغي ألا تفقد الأمل في مساعدتهم، وتذكر اننا لدينا محددات فما علينا سوى أن نفتح أذهاننا بالرغبة بالمساعدة، وذلك حتى بأبسط الأشياء بأن تطعم الطير وتتصرف بلطف تجاه الحيوانات الأليفة التي تربيها من القطط أو الكلاب واللطف مع الاصدقاء ومساعدتهم.
وطبعا هناك المشاكل التي تأتي بين الفينة والأخرى، ولا ينبغي أن ننسى أن الحياة مثل سوق البورصة فهناك الكسب والخسارة ومن الضرزري أن نتذكر ذلك، فلن نخسر كل شيء ولن نجصل على كل شيء وما علينا سوى أن نتقبل هذه الحقيقة. وعندما تواجهنا المشاكل أو الأفكار والعواطف الهدامة والمعاناة من المهم أن نتدرب على التأمل، وألا ننسى أن نحولهم إلى أصدقاء لنا.
أحب المشاركة بسرّين:
سر 1: يمكنك التأمل في أي مكان وأي وقت حتى في وسط البلد، مهما كانت ظروفك ومشاكلك، واجعل من هذه المشاكل دعامة للتأمل. ولا يكون التأمل فقط في الظروف الصعبة أو الظروف السهلة والمواتية، لكن التأمل في الظروف الصعبة يقوي من ممارسة التأمل أسرع وأكثر فائدة
سر 2: يمكنك أن تكون سعيدا حتى لو كنت في وسط المعاناة، وهذا يأتي من السر 1، مثلا مشاكل مع الاسرة أو الأصدقاء أو فقدان وظيفة، فلا تجلس وتندب حظك، وتستغرق في الحزن، بل من الضروري البحث عن حلول بدلا من الاستغراق في الألم.
هناك قصة من التبت: كان الرهبان والراهبات وحتى الناس العاديين يذهبون للجبل للتأمل، حيث لا مشاكل سوى الهدوء والسلام، والمشكلة الوحيدة أن هذه التجربة هادئة وهانئة جدا وخالية من المشاكل! وبعدها كان ينزل الرهبان للمدينة أو القرية ويبحثوا عن مشاكل حتى يقووا من ممارسة التأمل، وكانوا حتى يتصرفوا بشكل يستثير الناس هناك، مثلا يتظاهروا بالجنون أو يتصرفوا بشكل سخيف وعندها ينهرهم الناس أو قد يصرخوا عليهم أوحتى يضربوهم، وعندها يتخذ الرهبان من ذلك وسيلة لممارسة التأمل في الظرف الصعب الذي خلقوه لأنفسهم. لكن نحن لسنا بحاجة لأن نقوم بذلك – ولا أنصح بالقيام بذلك – لكن هل عندك مشاكل؟ هل لديك معاناة؟ إذا لست بحاجة لأن لأن ندفع النقود لنجلب المشاكل والعوائق فكم أنت محظوظ! فلديك فرصة ممتازة في التأمل على مشاكلك وجعلها مصدر دعم لتدريباتك على التأمل. فقد يقول الناس شيئا سيئا لك بأنك مجنون أو غبي أو أنك لا تجيد تربية أبنائك …إلخ.
إضاءة
الطبيعة الجوهرية أو الأصلية للذهن هي الصفاء والنقاء وهذا المبتغى من التأمل – أن ندرك هذه الحقيقة وأن تكون حالتنا الطبيعية هي هذا النقاء والصفاء لكن طبعا من خلال التدرب والمثابرة.
والمعلم منغيور ابتدأ سلسلة من تعاليم التأمل بتوضيح هذه الغاية الأساسية وهذا قلما يشير اليه المعلمون أو يؤجلون ذكره لمراحل متقدمة. فقد رأى أنه من المفيد أن يحصل الطالب على ومضات من الطبيعة الحقيقية للذهن وهي الصفاء والنقاء وهذا بيت الذهن وموطنه…بيتنا وموطننا الحقيقي في هذه الحالة الذهنية من الصفاء.
فقد ذكر في البدء محاولة استرخاء الذهن في الوعي المفتوح أي التأمل دزن تركيز على شيء: الوعي بكل شيء كما ينشأ بأن نفتح المجال أمام حواسنا بأن تعي ما تسمع وما تحس وما تشم وما تشعر به وما يرد من فكر وخاطر دون التدخل في تغيير أي من ذلك أو بالتعلق به أو النفور منه. وتكرار ذلك لفترات قصيرة عدة مرات لتمرين عضلة الذهن في التأمل.
ويمثل ذلك الصفاء الذهن الخالي من التشويش بسبب ضياعنا في أمواج الأفكار والأحاسيس والعواطف وما تتعلق به حواسنا. ويمكن أن نسمي هذا الجانب المشوش أو المضطرب من الذهن. فما علينا إلا أن نعي بذهننا وحواسنا ونجلب احساسا بالمعرفة وبذلك ونروض القرد الذي يتنطط في ذهننا.
فالوعي إذا هو المعرفة: المعرفة بما يدور في ذهننا ومشاعرنا وقلبنا ومعرفة ذلك ومعرفة ما يدور حولنا. فأنا أعرف بأنني أراقب وألاحظ نفسي. ثم يشرد ذهننا ونفقد حضورنا والحالة التأملية (يشرد الذهن بأن يسرح في وجبة بيتزا مثلا أو منسف أو لقاء حبيب أو الاستماع لموسيقى معينة أو القلق حول انسان عزيز…) والخطأ أن ننغمس في هذه الأفكار فهي ليست سيئة بحد ذاتها.
وتكون الحالة التأملية بأن أعرف بأنني أعرف، فأنا جالس وجسدي وذهني على موجة واحدة فأنا واع أو عارف بأنني في حالة تأمل أو حضور (فذهني معي في هذه اللحظة وليس عند الجيران).
وإذا نظرنا لهذه المشتتات على أنها سموم فالوعي بها ومعرفتها يحولها إلى دواء وهذا من أساسيات التعاليم البوذية: تحويل السم لترياق. يعني أعرف ما يدور في ذهني ولا أدعه يجرفني مثل السيل الجارف بل أعي به وألاحظه ولا أنكره ولا أتعلق به وهكذا لا يعود سما يشتتني ويسرق حضوري. وكلما ضيعنا وعينا وحضورنا ودرايتنا بالشارد والوارد نعيد الذهن لحالة الوعي والمعرفة بلطف ومحبة وشفقة على أنفسنا.
وهكذا ومع التدريب والالتزام ستصبح الحالة الطبيعية لنا هي الحالة التأملية الواعية بل وقد نصبح في حالة الوعي بالوعي أي واعين لما نعي به ولانعد نحتاج مجهودا في الوصول لهذه الحالة فقد تصبح متأصلة فينا بشكل تلقائي والوضع الطبيعي لنا.
فنحتوي عندها أنفسنا فطاقتنا مركزة فينا وغير مشتة – وبكل بساطة لا تنزلق حكمتنا أو وعينا ويتعلق باللأشياء والمواضيع والأحداث بل يبقى فينا دون اضطراب وتشويش فتعلقه بالأشياء يشتته وينسيه طبيعته الأساسية من النقاء والصفاء.
وهذه الحالة من الصفاء ليست الطبيعة الحقيقية للوعي والذهن البشري بل هي الصفة المتأصلة في كل الكائنات وعندما نكون فيها يزول وهم الثنائية فكل الأذهان هي سماء صافية ولا يعكرها ما تلبد في جوها من سحب أو عواصف أو غيوم – فطبيعة ذهن البشر سواء المحامي أو الخباز أو السباك أو الوزير أو الملك أو الشرطي أو المعلم أو رئيس العصابة أو العالم أو الارهابي أو المجرم أو المتنسك …. إلخ في أصلها نقية مثل شفافية الزئبق أو الألماس. وإدراك ذلك لغاية عظيمة أن تدرك أن جميع الكائنات في أصلها نقية وصافية لكن تعلقها بالأشياء والأنا يحرمها أن تدرك طبيعتها الصافية والنقية. وبهذا الادراك نتخلص من سجن الثنائية “أنا والآخر” ويسمو الذهن إلى أن يصل على درجة من النقاء والصفاء فيدرك المطلق ويصل الاستنارة. لقد عاش بوذا شكياموني دهورا وأحقاب من الزمن وحقق ما حقق من علامات الكمال في صفائه وخلقه ورغبته الكاملة في تحرر جميع الكائنات بما في ذلك نفسه من المعاناة حتى نال بعد ذلك الاستنارة. والأمر ليس مستحيلا فهناك العديد من صاروا بوذات واستناروا – أي أدركوا طبيعتهم الحقيقية الصافية والنقية.