من أقوال العلامة تشوغيام ترونغبا في الطبيعة المستنيرة المتأصلة فينا
صورة المعلم الكبير تشوغيام ترونغبا رينبوتشي مع أكبر المعلمين البوذيين في هذا العصر ديلغو كينتسي
من كتاب “The Sacred Path of the Warrior”
ترجمة وتحرير فريق دارما بستان
- “ليست فكرة الاعتقاد ان العالم خيّرمجرد فكرة اعتباطية أو عشوائية لأنه يمكننا أن نعيش بالفعل تجربة الخيرفيه، ويمكننا أن نعيش عالمنا على أنه صحي ومباشر وحقيقي لأن طبيعتنا الحقيقية والأساسية هي التماشي مع ما في ظروفنا من خير، وهناك توافق بين مكنونات الذكاء البشري والكرامة البشرية وبين تجربة روعة السماء الزرقاء والانتعاش في الحقول الخضراء وجمال الأشجار والجبال. وهناك ارتباط حقيقي بيننا وبين الواقع الذي يمكن أن بوقظنا ويجعلنا نشعر بالخير متأصلا فينا. وتتمثل رؤية الشمبالا في التوفيق بين قدرتنا على ايقاظ أنفسنا وإدراك أن الخير يمكن أن يحدث لنا. في الواقع الخير يحدث الآن.
لكن مايزال هناك سؤال. قد تكون قمت بارتباط حقيقي مع عالمك: التماح لحظات من شروق الشمس، ومشاهدة ألوان لامعة، والاستماع لموسيقى جميلة، وتناول الطعام الجيد، أو ما يماثل ذلك. لكن ماذا عن الارتباط بين لحظات من الخير مع تجربة تستمر فترة أطول من ذلك؟ من ناحية قد تقول: “أريد ذلك الخير الذي في داخلي وذلك الذي في العالم.” فتسرع في البحث عن عن طريقة لامتلاك ذلك، أو قد تقول ” كم سيكلفني أن أحصل على ذلك؟” أو ” تلك التجربة جميلة فأريد امتلاكها”. المشكلة هنا أنك لن تشعر بالرضى بهذه الطريقة، حتى لو حصلت على ما تريد، لأتك تريد ذلك بشدة! وقد ترى الناس في أحد الشوارع الفخمة يتبضعون، وتظن أن ذوقهم الراقي يجعلهم يدركون كرامتهم الانسانية، بينما هم مغطون بالأشواك لأنهم يتشبثون أكثر وأكثر بالأشياء. وعلى النقيض من ذلك قد تستسلم وبتواضع شديد حتى تربط نفسك بذلك الخير، فتقدم حياتك لشخص حتى تسعى في غاية من غاياته – اذا كنت تظن أن لديه ما تظن من الخير، فقد تحلق رأسك، وترتدي الأرواب، وتزحف على الأرض حتى ترتبط بذلك الخير، فها أنت قد قايضت كرامتك وصرت عبدا. أنت تحاول في كلتا الطريقتين أن ترتبط بالخير، بشيء حقيقي، قد تدفع الاف الدولارات من أجل ذلك اذا كنت غنيا أو ترهن نفسك له ان كنت فقيرا، لكن ثمة أمر خاطئ في كلتا الطريقتين. المشكلة أنه عندما نكتشف امكانية للخير داخلنا فإننا نأخذ ذلك الاكتشاف على محمل الجد وبشدة، فقد نقتل من أجل الخير أو نموت من أجله، لأننا نريد ذلك وبشدة، ما نفتقده هنا هو حس الدعابة والخفة. ولا نقصد بحس الدعابة هنا الضحك على الآخرين والسخرية منهم أو انتقادهم. حس الدعابة الحقيقي هو حس بالخفة وليس ضرب الواقع بالأرض بل تقدير الواقع، فأساس رؤية الشمبالا إعادة اكتسشاف حس الدعابة الحقيقي تلك اللمسة اللطيفة من التقدير. واذا نظرت الى نفسك ولذهنك، ولما تعتاد القيام به، يمكنك استعادة حس الدعابة الذي فقدته مع الأيام، بداية لننظر للأشياء العادية في واقع الحياة المنزلية: الصحون، جهاز التلفون السكاكين، الأشواك، الملاعق، المناشف، الغسالة – تلك الأشياء العادية. لا يوجد شيء مقدس أو روحاني فيها، لكن اذا لم يكن هناك ارتباط مع حياتنا العادية، واذا لم نتفحصها وننظر فيها، فلن نجد حس الدعابة أو الكرامة في أي واقع أبدا”.
- “الطريقة التي تغسل فيها الصحون، وتسرح فيها شعرك وترتدي فيها ملابسك، كلها امتداد لقوانا الذهنية السليمة، فهي طريقة لارتباطنا بالواقع، فالملعقة هي ملعقة، بالتأكيد. هي أداة لتناول الطعام، لكن في نفس الوقت، قد يعتمد امتداد رجاحة عقلك وكرامتك على كيفية استخدامك للملعقة. وببساطة تتمثل رؤية الشمبالا في حثك على أن تفهم كيف تعيش حياتك، وعلاقتك بالحياة العادية.وكبشر نحن في طبيعتنا الحقيقية مستنيرين، ويقظين، ويمكننا فهم الواقع، ونحن لسنا عبيدا للحياة التي نعيشها. نحن أحرار. وتكمن حريتنا في أننا نملك جسدا وعقلا، ويمكننا أن نسمى بأنفسنا، حتى نتعامل مع الواقع بكرامة وحس من الفكاهة والدعابة، فإذا تنشطنا وابتهجنا، سنرى أن الكون بأكمله – بما في ذلك الفصول وتساقط الثلج، والطين، جميعها تعمل معنا وبقوة. الحياة مرحة ومضحكة، لكنها لا تسخر منا، ونجد في نهاية المطاف أن بإمكاننا أن نتعامل مع عالمنا، وبإمكننا أن نتعامل مع كوننا على نحو مناسب، وبشكل بهيج جدا.اكتشاف الطبيعة الخيّرة ليس تجربة دينية، بل إدراك بأنه بمكننا التعامل معها، وتجربة الواقع، العالم الحقيقي الذي نحن فيه، وتجربة الخير المتأصل في حياتنا يجعلنا نشعر أننا أذكياء ولطفاء، وأن العالم ليس تهديدا، وعندما نشعر أن حياتنا حقيقية وخيّرة لن نكون بحاجة لأن نخدع أنفسنا أو الاخرين، وبمكننا أن ننطر لعيوبنا وضعفنا دون أن نشعر بالذنب أو النقص، وفي نفس الوقت بمكننا رؤية امكانية نشر الخير للاخرين، ويمكننا قول الحقيقة مباشرة وبانفتاح كبير وبحزم أيضا.”
- “وجوهر المحارب من أجل النور أو جوهر الشجاعة الانسانية هو رفض الاستسلام في القيام بأي شيء أو فقدان الأمل بأي شخص. ولا يمكننا أبدا القول أننا قد انهرنا أو قول ذلك حول أي شخص اخر، ولا يمكننا قول ذلك عن العالم، خلال حياتنا على هذه الأرض سنشهد الكثير من المشاكل الكبيرة، لكن فلنضمن ألا تحدث كوارث خلال حياتنا، نستطيع أن نحول دون ذلك، فالأمر يعود لنا، يمكننا أن ننقذ العالم من الدمار، ولهذا وجدت رؤية الشمبالا والتي عمرها قرون، فعندما نخدم العالم بإمكاننا إنقاذه، لكن انقاذ العالم ليس كافيا لأنه علينا أن نبني مجتمعا متنورا كذلك.”
وفي كتابه يكمل ترونغبا نقاشه في “كيفية بناء المجتمع المستنير والطريق اليه، بدلا من التظير حول أفكار مثالية من الخيال، فإذا أردنا أن نساعد العالم علينا أن نقوم برحلة شخصية، فلا يمكننا مجرد التنظير لقدرنا، والامر يعود لكل فرد منا في أن يجد معنى للمجتمع المستنير، وكيفية تحقيق ذلك، وأملي في ما أعرض من طريق محارب الشمبالا أن يساهم ذلك في فجر هذا الاكتشاف.”