الحقائق النبيلة الأربعة
إعداد مراد أباظا
ترجمة وتحرير خلود بركات
“ستُنبت تلك البذرة تلك الثمار.
من يفعل الخير يحصد الخير.
و من يفعل الشر يحصد الشر.
لو زرعت بعناية بذوراً جيدة،
ستجني وبكل بهجة ثماراً جيدة.” من الدامابادا
الحقائق النبيلة الأربعة
تُعرف إحدى التعاليم الخاصة والهامة في الفلسفة البوذية بالحقائق النبيلة الأربعة أو حقائق النبلاء (لأن النبلاء من البشر هم من يُدرك ويُطبق هذه الحقائق). والسبب أنها “نبيلة” لأنه يمكن أن تُغيّر حياة الفرد بمجرد فهمه لها ووضعها موضع التدريب. إنها “حقائق” لأنه من الممكن أن تُطبّق لدى جميع المخلوقات الحيّة.
في يوم من الأيام كانت هناك إمرأة تدعى كيساغوتامي Kisagotami ، توفي مولودها الوحيد. صُعِقَت من شدة الحزن وأخذت تجوب في الطرقات حاملةً جثمان طفلها متوسلةً المساعدة لإعادة طفلها للحياة. أخذها رجل حكيم ولطيف إلى بوذا.
قال لها بوذا، “أحضري لي حفنة من حبوب الخردل وسأعيد طفلك للحياة.”همّت كيساغوتامي لإحضارهم بكل فَرَح. حينها أضاف بوذا، ” لكن يجب أن تأتي بالحبوب من عائلة لم تعرف الموت قط.”
ذهبت كيساغوتامي من منزل إلى منزل في كامل أنحاء القرية سائلة عن حبوب الخردل. لكن كل واحد منهم يقول، ” للأسف، توفي العديد من الناس هنا”، “لقد فقدت والدي”، لقد فقدت أختي”. لم تستطع إيجاد منزل واحد لم يزره الموت أبداً. في النهاية عادت كيساغوتامي إلى بوذا وقالت، “الموت في كل عائلة. الكل يموت. الآن فهمت تعاليمك.”
قال بوذا، “لا أحد يستطيع أن يهرب من الموت وغياب السعادة. لو توقع الناس السعادة فقط في الحياة، لخاب ظنُّهم.”
لن تكون الأمور على النحو الذي نريدها عليه، لكن بإمكاننا التعلم لفهمها. عندما نمرض، نذهب إلى الطبيب ونسأل:
- ماذا دهاني؟
- لماذا أنا مريض؟
- ما الذي سوف يشفيني؟
- ماذا عليَّ أن أفعل للتعافي؟
يُشبه بوذا الطبيب. يقوم الطبيب أولاً بتشخيص المرض. ثم يجد بعد ذلك المسبب له. حينها يقرر ما هو العلاج. وأخيرا يصف الدواء أو يقدم علاجاً يجعل المريض متعافياً.
من هنا، ظهرت الحقائق النبيلة الأربعة:
- هناك معاناة؛ المعاناة مشتركة بين الجميع.
- سبب المعاناة؛ نحن السبب وراء معاناتنا.
- نهاية المعاناة؛ التوقف عن فعل ما يسبب المعاناة.
- المسار المؤدي لإنهاء المعاناة؛ كل فرد يمكنه الاستنارة عبر التدرب على الحضور الذهني.
- المعاناة: كل شخص يعاني من هذه الأمور
الولادة- عندما نولد، نبكي.
المرض- عندما نمرض، نصبح تعساء.
التقدم في السِنّ- عندما نتقدم في السِّنِّ، تنتابنا الأوجاع والآلام ونجد صعوبةً في تدبير أمورنا.
الموت- لا أحد منا يريد الموت. نشعر بأسى عميق عندما يموت أحدهم.
أمور أخرى نعاني منها:
عندما نكون مع من لا نحب،
عندما نكون بعيدين عن من نحب،
عندما لا نحصل على ما نريد،
عندما نواجه كل أنواع المشاكل وخيبات الأمل التي لا يمكن تجنبها.
لم ينكر بوذا وجود السعادة في الحياة، لكنه أشار بأنها لن تدوم للأبد. في النهاية كل شخص سيواجه أحد أشكال المعاناة. فقال:
” هناك سعادة في الحياة،
السعادة في الصداقة،
السعادة في العائلة،
السعادة في عافية الجسم والذهن،
… لكن حين يخسرها الفرد، تنشأ حينها المعاناة.” من الدامابادا
- أسباب المعاناة:
وضّح بوذا أن عيش الناس في بحر المعاناة إنما هو بسبب الجهل والجشع. فهم يجهلون قانون الكارما و متعطشون للنوع الخاطئ من اللذات. يقومون بأشياء ضارة لأجسادهم و للسلام في أذهانهم، و حينئذ لن يحصلوا على الرضا أو بهجة الحياة.
على سبيل المثال، مجرد ما إن يجرب الأطفال مذاق الحلوى، فإنهم يرغبون في المزيد. عندما لا يحصلون عليها، يضطربون. حتى لو حصل الأطفال على كل الحلوى التي يريدونها، عاجلاً ما سيتعبون منها ويرغبون في أشياء أخرى. رغم أنهم يصابون بأوجاع المعدة من كثرة تناول الحلوى، فإنهم ما يزالون يرغبون بالمزيد. ولذا فأكثر ما يرغبه الناس يشكل مصدراً لمعاناتهم.
بالطبع، هناك أمور أساسية على جميع الناس الحصول عليها، مثل الغذاء الكافي، المأوى، والملبس. كل فرد يستحق بيتاً جيداً، و أهلاً محبين، وأصدقاء جيدين. عليهم الاستمتاع في الحياة وتعزيز مراكزهم من دون أن يصبحوا جشعين.
- نهاية المعاناة:
لإنهاء المعاناة، على الفرد أن يقطع الجهل والجشع. يعني ذلك تغيير رؤية الأفراد والعيش بطريقة طبيعية و سلمية أكثر. يشبه ذلك إطفاء شمعة. تُطفأ شعلة المعاناة للأبد. تسمي البوذية حالة إنهاء كل المعاناة بالنرفانا Nirvana. النرفانا هي حالة البهجة العظيمة والسلام وتبقى دائمة للأبد. قال بوذا: ” النرفانا هي إخماد التعطش.” هذا هو الهدف النهائي في البوذية. كل شخص يمكنه إدراكه بمساعدة تعاليم بوذا. و هذا يمكن تجريبه في هذه الحياة الحالية.
- المسار المؤدي لإنهاء المعاناة:
المسار المؤدي لإنهاء المعاناة يُعرف بمسار النبلاء ذي الفروع الثمانية. كما يعرف أيضاً بالطريق الوسط حيث يتقدم الفرد بالمسار ويعيش حياة متوازنة.
تكلم بوذا عن الحقائق النبيلة الأربعة وعن تعاليم أخرى متعددة، لكن في جوهرها تتمحور كل تلك التعاليم حول نفس الموضوع. وفيما يلي قصة قديمة تشرح ذلك جيداً.
“في يوم من الأيام، ذهب ملك مُسِنٌّ لرؤية ناسك hermit مُسِنٍّ يعيش في عش طير في أعلى شجرة: “ما هي أهم تعاليم بوذا؟” سأل الملك. جاوب الناسك: ” لا تفعل الأمور الهدّامة، قُم بفعل الأمور البنّاءة دائماً. طهّر قلبك.” كان الملك يتوقع أن يسمع شرحاً طويلاً للغاية. احتجَّ الملك قائلاً: “حتى الطفل بعمر الخامسة يفهم ذلك!” “نعم،” جاوب العاقل الحكيم، “لكن حتى البالغ من عمره الثمانين لا يمكنه فعل ذلك.”