من مقالة للمعلّمة البوذيَّة جودي ليف
ترجمة فريق بُستان الدَّارما
ليس الذعر والهلع واليأس بالأمر الجديد، فقد خاض البشر الحروب وكافحوا من أجل البقاء وواجهوا العنف والطّمع والظّلم. يجتاحهم التاريخ بتياراته وحِراكاته، ويميل بهم دون حول لهم ولا قوَّة.
لوحة “الصرخة” لإدفارت مونك “The Scream” after Edvard Munch, 1984
تُعلِّمنا التدريبات البوذية الشَّجاعة في التعامل مع الظروف البشرية المؤلمة، وفي الوقت ذاته عدم انكار الجمال في جميع أشكال الحياة وتثمينها، وعدم التطرُّف في ذلك، من خلال اكتشاف المَسار المُعتدل والطرق الوسط.
السَّمسارا أو دائرة المُعاناة ومفتاح الحُرّية:
من الصَّعب مشاهدة كل ما يجري في هذا العالم دون أن يتملَّكنا الخوف ودون أن تغمُرنا المشاعر القوية. ولذلك يَنطوي مفهوم “سَمْسارا” samsara البوذي على أنّ هناك دوما ًحولنا حالة من الاضطراب، إلّا أن ما نشكو منه ما هو إلّا الاضطراب الذي قمنا بخلقه بأنفسنا حيث أن هذا العالم تُسيطرُ عليه مشاعر الكرُه والجشع والجهل التي تُعتبر في البوذية السُّموم الثلاثة. وهذه السُّموم هي حالات سلبيّة خلقناها جميعا.
من المُمكن اعتبار السّمسارا نظرة تشاؤمية، لكن يمكن أيضا اعتبارها فكرة تُحرِّرنا. فمن الأفضل التخلّص من فكرة العالم الفاضل وقبول ضرورة الاندماج في العالم، وقبوله كما هو عليه. فإنّ عالمنا الذي يَقبع في حالة فوضى ما هو إلَا أرضٌ خصبة لنيل اليقظة والاستنارة، فهوَ العالم ذاته الذي أنتَج بوذا.
من المُفارقة أن خيبة أملنا من هذا العالم – بسبب الغباء – هي ما تدفعنا نحو التغيير بقوة، لذا تُعتبر قدرتك على رؤية الأمور من خلال مفهوم السّمسارا بمثابة نقطة تحوُّل أساسيّة في المسار الروحاني.
لكن ماذا عندما تشتدُّ ظروف العالم إلى حد لا يُحتمل؟
تُعتبر خيبة الأمل دافعا قويا للكثيرين نحو التأمل ونشر بذور التغيير. فالشعور بالمعاناة والألم يولّد داخلنا المحبة والرَّأفة نحو أنفسنا والآخرين.
هنا تحتاج إلى التراجع قليلاً للحصول على رؤية أفضل فعندما يصبح فكرك وقلبك ممتلئان بأفكار مرعبة من الخوف واليأس، يفضّلُ استحضار أمثلة مضادة لها مثل اللطف والرأفة.
من المهم الانتباه على ردِّ فعلك عند تلقي أخبار سيّئة، فمثلاً ما هو رد فعلك عند سماعك خبر تفجير انتحاري؟
إنه التعاطف والمُشاركة الوجدانية على الأغلب، فأنت تتخيل مدى السّوء في أن تشهد أنت نفسك شيئاً كهذا، و مدى الألم الناتج عن حدوث إصابة أو فقدان أحد أفراد الأسرة بشكل مفاجئ.
لاحظ استجابتك الوجدانية العَطوفة وتعرّف عليها، فهي شعور حسَاس ومُجرّد ورقيق، وفيه أيضا جمال وبهجة. فمن المُهم تذكير أنفسنا المحافظة على هذه الاستجابة نحو المعاناة حتى لا نضيع فيما يلي ذلك من تفاصيل وتعقيدات.
عادة ما تُسرع “الأنا” بالاستجابة الفوريّة للمعاناة بأن تُحارب نظرة الرأفة والرِّقة، وتستبدلها بانفعالاتنا المعتادة ونظرتنا الجامدة، فالخوف والغضب يسيطرُ علينا فنرغَب في الانتقام. فقد اعتدنا كثيرا من الأنماط القديمة والأنانية التي تغذي الخوف فينا.
نستطيع مُقاطعة الأنماط السليّة التي اعتدنا عليها. والاعتراف أَّنه لايُمكننا إصلاح كُل شيء مهما كانت رغبتنا في ذلك. نحتاج لتقييم حقيقي لأنفسنا وشيء من التواضع. من الضروري عدم السماح لأفكارك وردود أفعالك بالجنوح كيفما تشاء، حيث بإمكانك محاولة مُقاطعة هذه الحالة لتتمكن من تَفحُّص سلسلة الأفكار والتوقّعات والعواطف الناجمة عن الحدث.
بالطبع لا نرغب بوجود هكذا مشاعر، إلا أننا لسنا في وضع قابل للمساعدة، كما أن التحديات جدُّ هائلة فما الذي يمكننا القيام به أمام كل هذا الإحباط؟
أوضح المعلم العظيم البوذي شانتي ديفا Shantideva أن عليك المباشرة بالقيام بفعل تجاه ما يحدث إن أمكنك ذلك، لكن إن لم يكن بإمكانك القيام بشيء، عليك الاعتراف بذلك، وترْك الأمور تمضي. حيث أنه ليس من المُجدي التركيز على ما يحدث من سوء أو الهَوَس في تمنّي التغيير. من الممكن لنا ونحن مدفوعين بالعواطف القوية، أن نقود أنفسنا إلى الجنون بسبب هوسنا في السّيطرة على أحداث لا قدرة لنا في التحكم بها.
انتبه لوجود الإفراط في التفكير في احتمالات المستقبل، فهي تدفن تحتها مشاعر التعاطف والمُشاركة الوجدانية الضرورية. ثم عد بنفسك إلى الحاضر الآن وهنا.
عندما تسير أمور الحياة بشكل جيد، نشعر بالرضا ونفترض أن الحظّ الجيّد سوف يستمر، أما عندما تسير بشكل سيء نستسلم ونفترض أنّ ما من شيء سوف يتغير. وفي كلا الحالتين يتبنّى ذهننا ما نمُرُّ به [أمَل مُفرِط وساذَج أو إحباط مُفرِط) ثم يتنبّأ بالمستقبل من خلالِ انتقاء تجارب سابقة لتعزيز نظرتنا السّلبيّة.
ليس العالم تقابُل تَضَادَّات، بل هو عالم مترابط وهذا العالم المترابط هو أرض البوديساتفا Bodhisattva (البوديساتفا مَن يجتهد في مساره من أجل الوصول للاستنارة ونفع الجميع) الذي تدبُّ فيه الحياة، فهو يزدهر مع الديناميكيات والتحرّكات التي تعُجّ بها.
إنَّ مسار البوديساتفا يمنحنا نظرة أكثر اتساعاً لحالتنا حيث أن للبوديساتفات القدرة على الرؤية بوضوح في عمق واتّساع المعاناة والاضطراب، إلّا أنهم لا يمانعون وضع أنفسهم وسطها.
ولطالما تساءلت كيف يمكن للبوديساتفا الجلوس بلطف والابتسام؟ قد يكون السّبب معرفتهم أنَّ ما من شيء يدوم بغض النظر عن مدى سوء الأمور كما أنَّ تدفق الرأفة لديهم لا ينقطع بل يزيد كلما ساءت الظروف.
وكما أخبرني معلمي تشوغيام ترُنغبا رينبوتشي Chögyam Trungpa Rinpoche ذات مرة:” في أيّ لحظة تمُرّين بها، ما عليك ببساطة إلّا أن تُروّحي عن نفسك.”
المصدر بالانجليزية: How Not to Freak Out” BY JUDY LIEF| NOVEMBER 3, 2020″