المقالات المُترجمة

في الخَوف والشَّجاعة مِن مَنظور بوذي

Written by Dharmabustan

مُقتطَف مِن كتاب Smile at Fear للمُعلّم المُلهِم تشوغيام ترُنغبا رِنبوشيه

“يَأتي شُعور النّاس بالإحراج مِن أَنفسهم بسبَب غِياب الشَّجاعة، وبسبَب ما في داخلِهم مِن خَوف. ولكنْ إذا عَزموا على رُؤية أَنفسهم واستِكشافها، ومُمارسة اليَقَظة والحُضور في كلّ لَحظة،  يَصيرون حينَها” مُحارِبين. وكلِمة مُحارِب هنا تَرجمةٌ لِلكلمة التِّبِتيّة (باوُ  དཔའ་བོ། ) حيثُ (با) تَعني الشُّجاع و(وُ) دَلالة الفاعل.”

حول المُعلّم:

(تشُغيام ترُنغبا رنبوشيه هو مُعلم بوذي قديروهو من أوائل مَن عرَّف الغرب على البوذيّة التبتيّة في أوائل السبعينيّات. وعمل على تأسيس مبادئ لمجتمع نوراني عِلماني. المعلّم المُلهِم تشُغيام ترُنغبا أدخل إلى الدير البوذي وهو بعمر سنة وأشهر، وتخرّج في عمر الثامنة عشرة بما يُعادل درجة الدكتوراة (doctor of divinity) kyorpön ودرجة khenpo أي Master of studies. وهو من أوائل المعلمين الذين أتقنوا اللغة الانجليزية وسافر للغرب وقد أجاد فهم الثقافة الغربية حيث درس في جامعة أكسفورد. في عمر العشرين مرَّ بتجربة محفوفة بالمخاطر والمخاوف حين سار مشيا على الأقدام يقود خَمْسُمِائَة شخص من التبت إلى الهند أثناء الاجتياح الصيني. وبعد قضاء بعض الوقت في بريطانيا – حيث تعرّض لحادث سير أصيب على إثره بشلل نصفي وترك الرهبنة –  انتقل إلى الولايات التحدة الأمريكية وأسَّس هناك مبادئ الشمبالا البوذيَّة Shambhala.

مِن الكتاب:

إرث المُحارب الّذي نحن بِصَدده الآنَ لَيس المُحارِب الذي يَخوض المَعاركَ. مَفهوم المُحارِب هُنا هو مَفهوم الشَّجاعة الأَساسيّ وعَدَم الخَوف، ويُشير إلى التَّغلُّب على الجُبن ومَشاعر الأَلم والجُرح فِينا. فإذا كنّا نَشعر بأَنّنا في جَوهرنا مَجروحون، نَخشى أَنْ يكون هناك شَخص ما لِيَخيط هذه الجُروح حتّى تَشفى، أَو أَنْ تكون هذه الخُيوط مَوجودة، لكنَّنا لا نَجْرُؤ على أَن نَدَع أَحدًا يفُكُّ غُرَزها. وطَريق المُحارِب هو مُواجهة الجُبن وكُلِّ المَخاوف، وغايةُ المُحارِب هي أَلّا يَشعر بالخَوف. لكنّ الأَرضَ الّتي يَنطلِق مِنها المُحارِب هي الخَوفُ ذاتُه. وحتّى نَتخلّى عن الخَوف يَلزم أَن نَعرف ما الخَوف؟

الخَوف هو النَّرفزة والاضطِراب، والشُّعور بعَدم الكِفاية، والشُّعور بأَنّه لا يُمكننا التَّعامُل مع كلّ التّحدِّيات الّتي نُواجهها في حَياتنا اليَوميّة، فنَشعر بأَنّ الحياة تَغلبنا أَو تَسحقنا. ويَستَخدم النّاس المُهدِّئات واليُوغا لكَبت مَخاوِفهم، ويُحاولون أَن يَعيشوا مِثل مَن يَطفو على سَطح الماء دُون الغَوص فيه. قد يَأخذون استِراحة حتّى في ستاربوكس مثلًا أَو في المول، حيثُ لدينا كلُّ الأَدوات وأَساليب التَّحايُل، على أَمَل أَلّا نَشعُر بالخَوف.

لكنْ مِن أَينَ يأتي الخَوف؟

يَأتي الخَوف مِن الارتِباك الأَساسيّ.

ومِن أَين يَأتي الارتِباك الأَساسيّ؟

يأتي الارتِباك مِن عَدم القُدرة على إحداث تَناغُم بَين الجِسم والذّهن. فعندما نَجلِس على مَقعَد التَّأمُل، إذا لم يَكن هذا المَقعد مُريحًا، فسنَجد صُعوبة في أَن نُحقِّق التَّناغُم بين أَجسامنا وأَذهاننا، فنَفتَقد بالتّالي الإحساسَ بالمَكان أَو الهَيئة الّتي نَجلِس فيها. وهذا يَنطبق على الحَياة كلِّها، وعلى الشاكلة نفسِها. إذا لم نَقِف على أَساس قَويّ وهَيئة مُناسِبة في العالم، فَلَن نستطيع أَن نرتبِط بشَكل مُناسب بتجارِبنا أَو بباقي العالَم. فالمُشكلة إذن تَبدأ ببساطة هٰكذا: عندما تَفتقد التَّناغُم بين الجِسم والذِّهن تَشعر وكأَنّك صُورة كاريكاتوريّة عن نَفسك، فتَكاد تكون كالغَبيّ أَو المُهرّج. وفي مِثل هذا الوَضع يَكون مِن الصَّعب عليكَ الارتِباط بِبقيّة العالَم.

تِلك صُورة مُبسّطة عَن “ذِهنيّة الشَّمس الغارِبة”، حِينَما تَفقد التَّناغُم البَشريّ فيك”. وفِكرة الشَّمس الغارِبة هنا هي أَنَّ الشَّمس حينَها تكون في حالة الغُروب في عالَمك، فلا تستطيع السُّمُوّ فَوق العَتمة. فتَشعر أَن ليس هناك سوى التَّعاسة والغُيوم والزِّنزانة، أَمّا الحَياة ففي المِزراب. ولكي تُعوِّض عن ذلك قد تَذهب إلى زِنزانة بإضاءة خافِتة حيثُ تَشرب حتّى الثُّمالة. هذا يُقال له نادٍ، تَرقص فيه مِثل قِرد سَكران نَسِيَ مَوزه وبَيته في الغابة منذُ عَهد بعيد؛ ولذٰلك فهو يَحتفل بشُرب البيرة الرَّخيصة ويَهزّ ذَنَبه. المُشكلة ليسَت في الرَّقص بحَدّ ذاته ، ولكنّه في هذه الحالة هو شَكل مِن أَشكال الهُروب أَو تَجنُّب ما فيكَ مِن خوف. وهذا مُحزِن جِدًّا. هذهِ هي الشَّمس الغاربة، إنّها طَريق مَسدود. طَريق مَسدود جِدًّا.

لكنّ شَمسَ الشُّروق العَظيمةَ هي الشَّمس الّتي أشرقَت بالكامل في حَياتك. هي شَمس اليَقَظة، شَمس الكَرامة الإنسانيّة. وهي عَظيمة لأَنّها تُمثِّل الهِمّة وصِفات الانفِتاح واللُّطف. فلديكَ إحساسٌ بانتِصاب قامتِك في عالَمك، قامتُك مَرفوعة فوقَ كَتِفَيك. والجِهة هي الشَّرق لأَنّ هناك ابتسامةً مَرسومة على وَجهك. الشَّرق يَدلّ على الفَجر. فحينَما تَنظر في الصَّباح، تَرى النّور قادمًا مِن الشَّرق، حتّى قَبل شُروق الشَّمس. فالشَّرق إذن هو الابتِسامة المَرسومة على وَجهك حينَما تَستيقظ. الشَّمس تُوشِك على الشُّروق، والهَواء المُنعش يُنسِّم مع الفَجر. فالشَّمس في الشّرق، وهي عَظيمة.

هنا، الشَّمس مُكتمِلة وناضِجة، الشَّمس الّتي تَراها في السّماء نحوَ العاشِرة صباحًا. وهذا على عَكس صُورة القِرد السَّكران الذي يَرقص تَحت أَضواء مُنتصَف اللَّيل الخافِتة. المُقارَنة مُذهِلة ومُلفِتة جِدًّا! فرُؤية الشَّمس المُشرقة العَظيمة سامِيةٌ، ويَقِظة، ومُنعِشة، ودَقيقة.

سنَدخل في التفاصيل لاحقًا، ولكنْ، بدايةً، أَرى مِن الضَّروريّ أَن نُناقش المَفهوم الأَساسيّ للخَوف والشَّجاعة. فمِن العَوائق الأَساسيّة التي تَحُول بيَننا وبينَ الشَّجاعة هو ما اعتَدنا عليه مِن عاداتٍ  تَدفعُنا إلى أَن نَخدعَ أَنفسَنا. ففي الأَوضاع الاعتِياديّة لا نَدخل في التَّجارب مع أَنفسنا بشَكل كامِل، أَي أَنّنا نَخاف مِن مُواجهة أَنفسنا. ويَجد الكَثير مِن النّاس الإحراج في الإحساس بجَوهر وُجوده، فيُحاول العَديدُ مِنهم البَحثَ عَن مَسارٍ رُوحانيّ يُحرِّر فيه نَفسَه، بحيثُ لا  يُضطَرّ إلى مُواجهة نَفسه (تَحرير نَفسِه مِن نَفسِه في واقِع الأَمر). فهذا في الحَقيقة مُستحيل، إذ لا يُمكننا القِيام بذلك. ويَنبغي أَن نكون صادقِين معَ أَنفسنا، فمِن الضَّروريّ أَن نَرى ما في داخلِنا وهُراءَنا وأَكثرَ الأَجزاء فينا الّتي لا نَرغب فيها. نَحتاج إلى رُؤية ذلك، تلكَ هي القاعِدة الّتي يَنطلق منها المُحارِب، وذاكَ هو الأَساس الّذي يَنطلِق مِنه في غَزو الخَوف. لذا، يَنبغي أَن نُواجه خَوفَنا، ومِن الضَّروريّ أَن نَنظر إليه، وأَن نَدْرسه، وأَن نَتعامل مَعه، وأَن نَتأمّل فيه ونَتدّرب على التَّعامل مَعه.

نَحتاج أَيضًا إلى أَن نَتخلّى عن فِكرة المُخلِّص الإلهيّ. وهو أَمر لا يَتعلّق بأَيِّ دِين  نَتبَعه، ولكنْ يُقصَد به فِكرة وُجود شَيءٍ أَو أَحد يُخلّصنا مِن دُون أَيّ جُهدٍ أَو أَلَم.

في الواقع، يُعتبَر التَّخلّي عَن ذلك الأَمل الزّائف هو الخُطوة الأُولى. فنَحن نَحتاج إلى أَن نَكون مع أَنفسنا، نَحتاج إلى أَن نكون أَشخاصًا حَقيقيِّين، إذ لا مَجالَ للمُراوغة مِن أَجل الحُصول على الأَفضل. فإذا كُنّا حَقًّا مَعنيِّين بالتَّعامُل مَع  أَنفسنا، لا يُمكِننا أَن نَعيش تلكَ الحَياةَ المُزدوِجة،  مُتبنِّين- ببساطةٍ- أَفكارًا وأَساليبَ ومَفاهيمَ مِن كلِّ الأَشكال، لكي نَبتعد عَن أَنفسنا. وذلكَ ما أُطلِق عليه المادِّيّة الرُّوحانيّة spiritual materialism: أَن نَتمنّى نَومًا هَنيئًا مِن خِلال المُهدِّئات، آملِين في اللَّحظة الّتي نَستيقظُ فيها أَن يَكون قد تَمّ إصلاح كلِّ شَيء، وأن ّكلّ شَيء قد تَمّ شِفاؤه (في تلك الحالة)، مِن غَير أَن نَمرّ بأَيّ أَلَم أَو مَشاكل. [المادِّيَّة الرُّوحانيّة الّتي تَحدّث عَنها ترُنغبا هي استِخدام الرُّوحانيّة مِن أَجل تَعزيز “الأَنا”، وهي عائِق في التَّقدُّم الرُّوحانيّ].

لكنْ، في المَنهج الرُّوحانيّ الحقيقيّ، لا يُمكنك القِيام بذلك. فقد تُقنع نفسَك وتوهمُها بأَنّ هناكَ مَنهجًا دينيًّا يَسمح لكَ بأَن تَدخل مُباشرة في النَّشوة الرُّوحانيّة، وقد تُقنع نفسَك أَيضًا بأَنّ هذا العالَم المادِّيّ غَير مَوجود، وأَنّه ليسَ هناك سِوى عالَم الرُّوح spirit. ولكنْ، فيما بَعدُ سوفَ يرتدّ عليك شيء ما، لأَنّه لا يُمكننا أَن نَخدعَ  المَبدأَ الأَساسيّ، وهو ما يُعرَف بالكارما أَو قانون السَّبَب والنَّتيجة. نعم! لا يُمكننا أَن  نَخدع ذلك القانون. “

About the author

Dharmabustan

إ

Leave a Comment