أساسيات في التأمل
ترجمة وتحرير فريق دارما بستان
ملخص من مقدمة عن التأمل للمعلم تم اولمستيد Tim Olmstedوهو المدير السابق لدير بودي غامبو ابي مدة 11 سنة في تقاليد الشمبالا- وكان المعلم المساعد للمعلمة المعروفة Pema Chödrön مدة عشر سنوات. وهو معلم ودارس في مجال التأمل منذ عام 1977 وتعلم على بد المعلمين الكبار في مجال الفلسفة البوذية في هذا العصر ومنهم العلامة تشوغيام ترونغبا وتلكو أورغين وديلغو كينتسي رينبوتشي
هناك ثلاثة أشياء لابد من أخذها بعين الاعتبار عند التأمل:
- أن الجسم في وضعية مرتاحة (الموضوع ليس تعذيب)
- أن الوعي هو الذهن نفسه وهو الصفاء وهو الحكمة (وما الأفكار سوى غيوم تكدر سماء الذهن التي لا تتحطم، والتي لا نقاش فيها، والكرم غير المتناهي، والذهن لين يستوعب كل شيء)
- عدم تغيير ما نشعر به أثناء التأمل بل السماح للأفكار أن تنشأ ثم تتلاشى (وكما ذكرنا في الجزء السابق عمر الفكرة لا يتجاوز الثانيتين).
التأمل أن نرتقي بأسلوبنا في التعامل مع المعاناة، ولابد من التزام اللطف والرفق بأنفسنا أثناء التدرب على التأمل، وإذا بدا الأمر وكأنه عبء ( أف لازم أتأمل اليوم)، وأن يصبح التأمل وكأنه طعما مرا في السان، فالموضوع ليس تكبد مشقة وعناء، يلزم أن نتوقف.
الذهن مثل المرأة لا يمكن فصل المرأة عما ينعكس فيها، وفي التأمل لا نغير ونعدل احساسنا بالأشياء وما يخطر ببالنا، بل ندع كل شيء يكون، ندعه يمر ثم يذوب. وهذا هو التحرر، مثل الغيوم القاتمة تغطي سماء الذهن الصافية.
اجلس وتقبّل ما داخلك وما حولك، وافتح وعيك، وهذا جوهر التأمل، ولابد للذهن بأن يركز على شيء أثناء التأمل، وذلك الشيء يمكن أن يكون النفس أو يمكن استخدام المانترا حتى تساعد الذهن على التركيز، أي تشكل دعامة أو حتى حيلة بسيطة لنعيد الذهن للآن، والتعامل مع الذهن يشبه التعامل مع الطفل، نعيده للانتباه بأن نحمل لعبة ونخشخش لنلفت انتباهه، أو بأن نقل له (شوف العصفورة!). وفي هذه الجلسة طلب منا المعلم التركيز على تفاحة أمامنا على الطاولة وبعد ذلك نركز على وعينا، ووجدنا أن التركيز يبقى لأن التفاحة ساعدت على المحافظة على التركيز. ومن الضروري أن نتذكر أن التركيز على التفاحة يشكل 25% وباقي الوعي يوزع على ما يحيط بينا وداخلنا، فلا ننقطع أثناء التأمل بالوعي والحضور في كل ما يحدث في داخلنا وما حولنا، وقد نعتمد على إحساسات الجسم (الحضور في كل ما حولنا من حواس، ما نحس ونسمع)، وأيضا التخيل، أو حركي مثل التركيز من خلال تأمل المشي.
فالذهن هو ذلك الفضاء الواسع والمنفتح الهادئ، فالذهن مثل فضاء الغرفة الواسعة، لا شيء يعلق في الهواء، كل شيء يقع بفعل الجاذبية، ويعود الصفاء للذهن، وتعلّق الأشياء في فضاء الذهن هو من عمل أيدينا، فبدلا من أن تسبح الفكرة وما ينشحن فيها عواطف وانفعالات ثم تتلاشى نتشبث بها ونتمسك بها بل ونجعل منها شغلنا الشاغل وربما قصة حياتنا! وكلما زاد الاتساع، كلما تسنح الفرصة للذهن بالنظر والتفحص لما في فضائه. فإذا تخيلنا أنك تجلس في غرفة ثم دخل نمر فإن الذهن سيصير في هلع، لكن لو كنت في ملعب كبير ثم أدخل ذلك النمر – ونظرا لاتساع المساحة – فعندها ستنظر للنمر بارتياح أكبر وتحاول تفحصه عن بعد ودون ذعر، وكذلك الذهن كلما زاد واتسع فضاؤه، كلما نظر للأشياء بروح الاستكشاف والنظر دون ارتياع، والعكس صحيح كلما ضاق فضاء الذهن، لنا أن نتخيل كيف سيكون ذلك. ويمكن تشبيه ملاحقة الأفكار إما بمحاربتها أو النفور منها بضربنا أنفسنا وكأنك تجلس وتضرب برأسك! إذا استطعنا أن نرى الأفكار، ونعرفها ونعي بها، نصبح عندها منفصلين عنها ولا تعد هوية نحدد بها أنفسنا. وهذا سبيلنا للتحرر والسلام.
التأمل هو عودة الذهن لبيته، لطبيعته الصافية ووضوحه. فإذا كان الذهن صافيا وواضحا يدرك العالم بحس مرهف ولطف، ويرى أن العالم في سلام لأنه في سلام. فإذا كنا في حالة حب نرى العالم من هذا المنطلق، ونجد أنه يحبنا، فرؤيتنا للعالم هي من صنع ذهننا، فكل شيء عدا عن المعاناة الطبيعية من الميلاد والمرض والموت، هي من صنع الذهن. كل شيء هو الذهن.
تفضل وضعية الجلوس في التأمل على الاستلقاء، لأن في الاستلقاء قد نخلط بين حالة النعاس وبين حالة التأمل وقد نشعر بالنعاس أو ننام، لكن الاستلقاء كوضعية للتأمل أفضل من لاشيء.