مُقتطفات من كتاب Smile at Fear للمعلم البوذي المُلهم تشوغيام ترُنغبا رنبوشيه “ابتسِم لِلخَوف: إيقاظ جَوهر الشَّجاعة الحَقيقيّ“
تمت ترجمة الكتاب والعمل جاري على الاتصال بدور النشر.
(نبذة عن المؤلف: هذا المعلّم عاش حياة قصيرة لكنّها غنيّة بالمعرفة والحكمة فقد تتلمذ على يد أكبر المعلمين في التبت ومرّ بالكثير من المصاعب والمخاطر والتحديات خاصة أثناء الغزو الصيني للتبت. مِن أَوائل مَن قدَّم التَّعاليمَ البوذيّة باللُّغة الإنجليزيّة. وكان مِن أَكثر المُؤثِّرِين على تَطوُّر البوذيّة في الغَرب. والفَضْل في ذلك يعود إلى طَلاقته وتمكُّنه العالي جدًّا مِن اللّغة الإنجليزيّة، وفهمه للذِّهنيّة الغربيّة والفِكر الغربيّ. فقد أَسَّس المئات مِن مراكز التأمُّل في أَمريكا الشَّماليّة، وأَسَّس جامعة ناروبا في مدينة بولدر في وِلاية كولورادو. وهي أَوّل جامعة تأسَّست بإلهام الفلسفة البوذيّة في شَمال أَمريكا، فجذبَت الآلاف مِن الطُّلّاب المُلتزمِين الذين حَصلوا على تعاليمَ مُتقدِّمة مِن هذا المُعلِّم القدير، واستمرُّوا في نَشر هذه التَّعاليم ضِمن ذاك الإرث في أَمريكا الشَّماليّة. وقد كان لهذا المُعلِّم الدَّور الكَبير جدًا في جَلب العَديد مِن المُعلِّمين الكِبار حاملِي السِّلسلة، وتَقديم التَّعاليم في أَمريكا الشَّماليّة).
من الكتاب:
أنت لست قردًا!
“إنَّ اكتشاف مَبدأ الآشِيه * (Ashe وهو مُرادِف للخَير المُتأصِّل ونبض الحياة بالمفهوم البوذي)، إذن، يَجلب رأَيضًا إحساسًا بالرُّؤية. فقد تكون ضائعًا، تَجول في البرّيَّة، تظنّ أَنّك أَحد القُرود، ثمّ يأتي إنسان إليك ويُربِّتُ على كَتفَيك، ويقول: “هيه، يا أَنتَ! أَنتَ لستَ قِردًا”. في البداية، تَشعُر بالتَّشويش، لكنَّك بعد ذلك تُدرك: “آه! بالفِعل، قد يكون ذلك حقًّا”. ثمّ تبدأ بإشعال النَّار، وهو أَمر لا تَفعله القُرود. وتَطهو طَعامك على النَّار، وهو أَمر لا تفعله القُرود. وهذه إلى حدٍّ ما صورة مجازيّة تَشبيهيّة لذلك الشّكل مِن تَوصيل الرِّسالة. فهو يُوقِظك ويَفتَح عينَيك نحو بُعدٍ جَديد مِن الوُجود.
يَسكُن مَبدأ آشِيه في قُلوبنا، سواءٌ أَكنَّا جُبناء أَم شُجعان. وهو مُرادِف للخَير المُتأصِّل، بل هو تَجَلٍّ له. إنّه في أَجسامنا وقُلوبنا وأَدمِغتنا، وفي عُروقنا ودَمنا ولَحمنا. إنّ مَبدأ الآشِيه مَوجود فينا جميعًا، إنّه الإحساس بِالسِّحر المُستمرّ، المَوجود فينا. ونحن لَسنا بحاجة لأَن نَسعى خلفه، فهو في داخلنا، وكُلُّ ما يَلزمنا هو إدراكُه ومُلاحظته.
ومع أنَّ هذا المَبدأ موجود في كُلّ واحدٍ منّا، فإنّك ما تزال بحاجة إلى أَن تُقدَّم هذه الفِكرة إليكَ كشيء قائمٍ فيك، ثمّ تَستطيع تفعيلَ ذلك المبدأ وإظهارَه في وُجودك.”
“…… ويُمكننا أَن نُوسّع هذا ليَشمَل بقيّة حواسّ الإدراك لدينا: السَّمع، والذّوق، واللّمس، والشَّمّ. كلّ شيء يَأتي مع إحساس مِن التقدير: ما أَروعَ هذا العالمَ! ما أَجملَه! ما أَشدّ إثارتَه، فهو أُسطوريّ! وقد تَأخذ هذا العالمَ كأَمر مُسلَّم به، ولكنّك إذا نظرتَ إليه ثانية، سترى جَمالًا مُذهلًا ودِقّة عالية في الإدراك. فتَبدأ تَشعر وكأنّك وُلِدت مِن جديد، أَو كأنّك وُلِدت حقّا للمرّة الأُولى. وهكذا تَجد مسرّة ومُتعة وتقديرًا.
وتأتي الفضيلة والكَياسة لدى المُحارِب مِن هذا الإحساس الأَساسيّ الصِّحّيّ والمُتجرّد مِن أَيّ انخِراط عُصابيّ أَو عادات. والكَياسة هنا تُعبِّر عن إحساسِنا ببَهجة العَيش وبَهجة كوننا أَحياءً. فالشّجاعة، إذن، هي أَكثر مِن مجرّد تَجاوز الخَوف والتغلّب عليه. فنَحن حين نتحدّث عن التجرّد مِن الخَوف إنّما نَصِف
حالةَ وجودٍ إيجابيّة عامِرة بالبَهجة والمرَح، بعُيون مُتألِّقة لامِعة، وهَيئة جيّدة.
إنّ هذا الإحساس مِن الوجود لا يَعتمد على أَيّ ظُروف خارجيّة. فأَنتَ إذا لم تَستطع دَفع فاتورة الكَهرباء، فذلك يَعني أَنّه لن يَكون هناك ماءٌ ساخن، والمَنزل الذي تسكن فيه قد لا يكون معزولًا حراريًا بما فيه الكفاية. وإذا لم تكن لديك مَواسيرُ داخليّة، فهذا يعني أَنّ عليكَ أَن تَستخدم خارج المَنزل. لكنّ ملايينَ البشر في هذا العالم يَعيشون بهذه الطريقة. فإذا كان بإمكانك أَن تنتصب بهيئة جيّدة برأسك وكَتفَيك، فحينَها، وبِغضّ النَّظر عَن وَضعك المَعيشيّ، سوف تَشعر بالفَرح والبَهجة. وهذا ليس أَيّ نَوع مِن البَهجة الرّخيصة، بل هي كَرامة فرديّة. “
“……..فأَنت في الواقع جَيّد وخَيِّر، بدلًا مِن أَن تَصير جيّدًا وخَيِّرًا.
إذا واجَهنا أَنفسَنا بشَكل مُناسب وكامل، نَجد شيئًا آخرَ أَكثرَ مِن مُجرّد مُواجهة أَنفُسنا، شيئًا يَقِظًا
أَصيلًا مَوجودًا في داخلنا (مُقارنةً بحالة النَّوم). نجِدُ شيئًا مُبهِجًا جديرًا بالفَخر. يَعني أَنّنا لا نَحتاج إلى أَن
نُقنع أَنفُسنا. نحن نَكتشف ذهبًا أَصليًّا 100%، لا 24 قيراطًا فقط. وحَسَب التَّقليد البُوذيّ، يُشار إلى هذا
على أَنّه اكتِشاف طبيعة بُوذا داخِلنا. ويُطلَق على طبيعة البُوذا هذه باللُّغة السَّنسكريتيّة: تاتاغاتاغاربا
TathagatagarbhaK، ويَعني أَنَّ جَوْهر التاتاغاتا – وهم البُوذات الّذِين اجتازوا ووصَلوا- مَوجود
فينا.
نَحن في جَوهرنا يَقظون، ونَحن الآنَ أَخيار. وهذا ليسَ مُجرَّد أَمر كامِن، فهُو أَكثر مِن كامِن.
ولَسَوف نَتردَّد مَرّات ومَرّات قبل الاعتِقاد بذلك، فقد تَظُنّ أَنَّ هذا الخَيْر مُجرَّد أُسطورة قديمة أَو خدعة نُرفّه
بها عن أَنفسنا. ولكنْ، لا! فهو حَقيقيّ وجَيّد. وطَبيعة بُوذا أَو الطَّبيعة المُستنِيرة مَوجودة فينا. وبسبَب ذلك
نَحن هنا، فالطَّبيعة المُستنِيرة هي الّتي جاءَت بنا إلى هُنا.
وجَوهر المَوضوع أَنَّ الأُسلوب الّذي يبدو أَنَّه الطَّريقة الوحيدة لإدراك هذا هو الجُلوس للتَّأمُّل.
فالتَّأمُّل هو المِفتاح لرُؤية أَنفسنا، ورُؤية ما وراءَ أَنفسنا. إنّ رُؤية النَّفْس هي المَظْهر الأَوَّل لاكتِشاف كلِّ
أَشكال الأَشياء المزعِجة التي تَحدُث فيكَ، لأَنَّ مُواجهة الاحتِمالات وكُلّ أَشكال الواقع ليسَت بتلك الدّرَجة مِن
السُّوء. فإذا بدأتَ بالقيام بذلك، فأَنت شَخص مُخلِص وصادق. وبعد هذا، أَنت بحاجة إلى رُؤية ما هو أَبعد.
فإنّ صِدقَك يَجعلك تُدرك الخَير فيكَ، وأنَّك تملِك بالفِعْل بُوذا في قَلبِك…..”
“إنَّ القداسة ليست مُجرَّد فكرة. بل هي تَعبير. إدراك القداسة يعني أنَّك تعيش تجربة الكرامة والقوّة في كلّ شيء، بما في ذلك قَلَم الحِبر الذي تستخدمه، والمِشط، وأنت تأخذ الشاور، وأثناء قيادة السَّيارة. إن مثل هذه التفاصيل الحياتية الصغيرة، فيها عُنصُر لرؤية أكبر وكَرامة المُحارب فالأرض والسماء تندمجان في كل لحظة وهذا هو جوهر القداسة.
وبالرغم من أنّك تشعر بأن في حياتك العديد من الظروف الصّعبة أو حتى المتدهورة، إلا أن العالَم بأكمله ما يزال فيه الوَعي المُتأصل الكامِن. تَحدث كلّ أشكال التحديات والاحباطات في الحياة. لكن من الضّروري أن نُدرك أنّ مثل هذه الاحباطات والتحدّيات والسّلبيات فيها دائمًا عُنصر مِن القداسة. إنّ تَقدير القَداسة هو تَقدير السّماء التي يُمكن أن نجلب فيها شَمس الشُّروق العظيمة. فبدون وجود السّماء تكون كمن يُحاول أن يجلُب الشمس الشروق العظيمة في حائط من الإسمِنت. فلا يوجد الكثير من الكَرامة في ذلك.
” …… فَكلام المُحارب لَطيف ولكنَّه قويّ. فأَنتَ لا تُهَمهم ولا تتحدَّث بغموض. بل تَنتبه لأحرف العِلّة ومَخارج الحُروف التي تَلفظها، وتَنتبه كذلك لقواعِد اللُّغة. فأَنتَ تُصرِّح بِنَفسِك، سواءٌ أَكنتَ تتحدَّث مع طِفلك البالغ السَّنتَين مِن العُمر أَم كُنتَ تتشاجر مع شريكِك. إنّ طَريق المُحارب هي الانتِباه إلى التَّواصل بعُمق ودِقّة، سَواءٌ أَكنتَ تتحدّث مع أُستاذ جامعيّ أَم مع مُدير بَنك، أَم سائق تُكسي، أَم سائق حافلة، أَم عامِل نظافة، أَم مع شخص في الشّارع تسأله عن جِهة ما. فالمُحارب لا يكون كلامه مُتقلقِلًا ولا مُهمَلًا.
…… إنَّ طريق المُحارِب هي أَن تَعكس رَوعة مبدأ آشِيه في الجِسم والكلام والذِّهن. فلدَيك هيئة مُستقيمة في العَمود الفِقريّ والرّأس والكتفَين. إنَّ تطبيق (زي جي) أَي الرَّوعة والكرامة لا يُكلّفك الكثير مِن النُّقود! ويَنعكس هذا على مَظهرك، فلستَ بِحاجة لأَن تشتري المَلابس الثّمينة، أَو لأَن تَقوم بقَصّة شَعرٍ رائعة. تَستطيع أَن ترتديَ ملابسَ بسيطة، لكنّها تُعبِّر عن الخَير المُتأصِّل. إنَّ التَّوجّه برُمّته مَبنيّ على أَمرَين: كَيف نَحمل أَنفسنا؟ وكيف نَتصرّف؟ ……”
وإذا لم نَعلم طبيعة الخَوف، لَن نَستطيع تَجاوزه. ولكن ما إن نَعرف ما فينا مِن جُبن، وما إن نَعرف حَجَر العَثْرة والعَراقيل التي نتعَثَّر بها عادةً، ما علينا حينها سوى أن نتجاوزها ونتسلَّق – رُبَّما ثلاث خطوات ونصف لا غَير.