التأمَّل والحضور الذهني كما يقدّمه المعلّم ترُنغبا رنبوتشي “أساسه التواصل الكامل والتّام مع جسمنا وكل إحساساته، ومع ما حولنا وبكل حواسّنا. فنحن في التأمل لسنا قطعة من الجماد. نحن نشعر بنَفَسنا ونسمع الأصوات ونشعر بحرارة جسمنا والهواء وهو يلامس بشرتنا. وهذا يُشعرنا بأننا أحياء، وعادة ما يتعزّز هذا الشعور عند الألم والمرض، وقد تجد أن التأمل عندما تكن مصابا بالحمى أو الانفلونزا أو مشاعر عدم الراحة هو أمر غير مُجدي، لكن التّأمل حينها يجعلك تشعر بالحياة تدبُّ فيك بكل تفاصيلها وهذا يرفع من درجة وعيك بنفسك. ومع أن الشعور بالمرض قد يثير الخوف فينا مذكرا ايانا بالنتيجة الحتمية من أننا سنموت، إلا أنه عندما تبدأ مشاعر الخوف والذعر تستحوذ علينا فهي أيضا تثير فينا الشعور والإحساس بالحياة، فهي توقظ طاقة الحياة فينا، والتأمل خلال مشاعر عدم الراحة يدفعنا لتقدير الحياة بشكل أكبر. تشعرنا طاقة الحياة بقوتنا. ومثال هذا عندما نُمسك بكوب ساخن من الشّاي، فإحساسنا بِسخُونة الكوب هو جزء من تَجربة سِحْر الواقع ونَبض الحياة، فهذا الشعور بالسُّخونة حقيقي وواقعي وشَخْصي أيضا في هذه اللَّحظة، فقد تخشى أن ينسكب الكوب على ملابسك أو جسمك وإذا انفعلت من جرَّاء احساسات السّخونة قد تتركه ينسكب على الأرض أو على جسمك، فهذه لحظات من عدم اليقين، وكذلك فإنَّ إحْساسنا بالحياة قد يجعلنا نشعر بالتهديد أو التَّشويش، وقد نخلق داخلنا رد فعل قوي أو ربما نُفضّل تجاهلها. وإذا تجاهلنا حقيقة إحساسات الألم أو السُّرور والبهجة، والتي هي جزء لا يتجزأ من الحياة، أو مصاعب أو أو تحديات قاسية فقد نشعر بمزيد من الهلع والذعر، وحينها يكون ذلك مثل اللَّحظة التي ينفلت من أيدينا كوب الشاي. ولذلك لا بد أن يكون تعاملنا مع الإحساسات المختلفة مباشر وبسيط. ففي الجلوس للتأمل لا نحاول جاهدين الوصول لمشاعر السعادة والبهجة أو تجاهل الألم أو السَّعي وراء الألم أو جلد انفسنا أو تعذيبها. كل ما علينا القيام به هو أن نكون حاضرين في كل ما ينشأ فينا، وإنَّ بساطة تجربة التأمّل لا تَعني أنها تخلو من أي مصدر للإلهام. فتجربة التأمل تُشعرنا بالإلهام بأن نكون حاضرين مع الأرض ومع أجسامنا، مع الأشجار والصّخور والعُشب والماء والإلهام يأتي أيضا بأن نكون حاضرين، ونحن في سيّاراتنا على الطريق السريع، ومع إشارات المُرور وعندما نكون مع والدينا ومع الشّرطي والطبيب وحتى مع المحامي. وقد تُعَدّ هذه التجارب الحياتيّة اليوميّة ماديّة ودُنيوية وغير هامّة، فإذا كنت تَسْعى وراء تجرُبة سامية في التأمُّل، تَبدو الحياة اليوميّة لديك عاديّة جدا ولا تستحق التواصل معها. وقد نظن بأنّنا أسْمى من كلّ ذلك، فنفصِل أنفسنا عن سِحْر الواقع أو التجرُبة الأساسيّة للأشياء كما هي، و نهرُب إلى ما نخْلقه لأنفسنا مِن عالم حالم واهم. لكن الحل هو أن نربط أنفسنا أكثر بالارض والواقع، وأن نُدرك ونُنمّي طاقة الحياة وهي القوة في أنّنا على قيد الحياة. فلديك عُيون وأنف وأرجل وأيدي .. لديك هذا الجسم ويناديك الناس باسم جاك أو مايكل أو جورج…وهذا انت، سواء رضيت بذلك أم لا! وكلما ابتعدنا عن هذا الجسم وهو وجودنا الأساسي، ستنشأ الكثير من المشاكل، قد نشعر بالتشويش ونرغب بالهروب من ذلك، فيزداد تشويشا فنهرب من تشويش إلى تشويش، وهذا لا نهاية له. فنشعر أنّنا مخنوقين ومُحاصرين …”
31Huda ALkhateeb, Reemi Issa and 29 others5 Comments1 ShareLikeCommentShare